السوريون يبحثون عن دكتاتور
مرصد مينا
كما لو أن دمشق Free market يتسوّق من أرضها وسمائها السلاح الإسرائيلي، فالضربة التي استهدفت القنصلية الإيرانية وقعت على أرضها، والضربات السابقة وقد باتت بمثابة الضربات الأسبوعية أو اليومية كان حالها كذلك، ومع كل الضربات لم يتوقع أحد ردّاً من النظام حتى ولو بصيغة بيان “شجب وتنديد”، ذلك أن دمشق تحوّلت إلى “شاهد ماشفش حاجة”، كل ما عليها هو سياقة الحمير بالسياحة الدينية الإيرانية مع إضافة التبريكات لقائد الحرس الثوري الإيراني، الحال الذي يقول ودونما تردد أو إعادة تفكير بالمصطلحات أو اللغة، أن دمشق خرجت كلياً من كل الملاعب لتتحول إلى ملعب، مرة للإيراني، وثانية للروسي، وفي كل الحالات لمروجي وصنّاع الكبتاغون، دون نسيان ترداد معزوفة أنها “من محور المقاومة”، مع التأكيد على أن “المقاومين” وبغض النظر عن جدية المصطلح، كما لو أنهم اختاروها كمنطقة عبور لبلد بلا بوّابة ولا بوّاب.
كل الأحاديث الساخنة اليوم تتصل بأسئلة من طراز:
ـ كيف سيكون الرد على الضربة الإسرائيلية للقنصلية الإيرانية بمقرها في حيّ المزة بدمشق.
وكل الأحاديث تستتبع ما سبق بالسؤال:
ـ ومن أين سيأتي الرد؟ من حزب الله أم من الحوثي أم من أذرع الولي الفقيه في بغداد؟
وسيكون الأبرز من الأحاديث:
ـ هل سترد إيران مباشرة أم عبر الوكيل.
وبكل الحالات فنظام دمشق مستثنى من أيّ توقعات، ذلك أن دمشق باتت اليوم، مجرد ممر ومعبر، لا حقيقة في الجغرافية أو التاريخ، وإنما “قصر رئاسي”، يرأسه رجل مستثنى من كل الحسابات، باستثناء حسابات الفساد والنهب والسطو على الحريات والممتلكات، مع ما يكفي ويزيد من الاستعراضات العائلية وقد باتت سيدة القصر هي القصر، أقله في تتبع مستحدثات الموضة واستقبال نجوم الفن المحليين على اختلاف درجاتهم بما يشبه الاغتصاب.
فراغ السلطة الوطنية في دمشق فتح الممر واسعاً لإيران، والمتابع للمواقف والإعلام الإيراني سيلاحظ وبكل الجدّية مدى الاستخفاف الإيراني بسلطة دمشق، وكذا حال بقية حلفاء إيران وأذرعها الذين لا يعيرون سلطة الأمر الواقع في دمشق أيّ احترام وأيّ وزن، وسيكون الأمر لافتاً مع متابعة تصريحاتهم وخطاباتهم بما فيها خطابات حسن نصر الله الذي يضع دمشق في ذيل قائمة أولوياته وهي العاصمة التي فتحت بوّابتها له كممر ومقر، وحال كهذا يستدعي النظر إلى “الشخصي” من “العام”، وبلغة اكثر دقّة، الكرامة الشخصية للرئيس السوري، وموقعها في الصيغة و “المحور”، وهي كرامة مهدورة، هدرها صاحبها دون تحميل هدرها للمحور الذي يمجّد الحوثي، ويرفع من شأن حسن نصر الله، ولا يتوانى عن منح الحشد الشعبي ما يكفي من “التعظيم والسلام”، فيما يُترك بشار الأسد على طرف المأدبة سواء اتصلت بمصير المنطقة أو بمصير حدود بلاده، ودمشق جزءاً لابد ويطاله المصير، أم اتصلت بوقائع اللحظة ونعني بها لحظة حرب غزة، وهذا لابد ويستثير السوري أيّ كان موقعه موال للنظام، أم متموضع في المعارضة، تماماً كما ينال من كرامة السوري العاجز عن استدعاء رغيف الخبز إلى مائدته وقد أُخرجت عاصمته من كل الحسابات باستثناء حسابات الاستخدام لعاصمة يتجوّل فيها الحرس الثوري كما لو انها من ممتلكات الولي الفقيه.
دمشق تبحث عن “دكتاتور” ما بعد إغراق ثورتها في اللعبة الدولية واليأس من تحوّل ديمقراطي جدّي في حياتها السياسية، ونقول تبحث عن دكتاتور، فهل يصح مثل هذا القول؟
يصح حين يكون الدكتاتور صاحب مشروع كما حال معظم الدكتاتوريات التي رفعت من أسوار بلادها حتى ولو سجنت سكّان البلاد داخل هذه الأسوار، وسيكون هذا البحث مشروعاً وفق معادلة مفادها:
ـ واقع حال سوريا اليوم هو التالي:”دكتاتور على سكّان البلاد، لبلاد بلا أسوار”.
ما يعني أن اللعنة مضاعفة:
ـ دكتاتور على الناس، ومطيّة للأجنبي.
السوريون ينتظرون من دكتاتورهم اليوم:
ـ بيان استنكار.. مجرد بيان استنكار.
بيان استنكار لا يخلو من الأبعاد الفلسفية لرئيس أهان الفلسفة ولم يرتق إلى مرتبة:
ـ رئيس.