السويداء ماقبل “إرحل يابشار”
بدأت “ثورة الجياع”، والثورة على الجوع، وثورة الجياع لن تتوقف عند رغيف الخبز، ذلك أن متاهة الرغيف، ليست سوى سقوط آخر مبررات بقاء نظام، حوّل الدولة من “دولة فساد” إلى “فساد الدولة”، ماجعل المؤسسة الحكومية موازية بتعريفها للعصابة، وهو ما تنبئ عنه التحركات السلمية في الجنوب السوري اليوم، ونعني في محافظة السويداء السورية بكلام اكثر دقّة.
مع بداية الثورة السورية، اشتغل النظام على تحييد هذه المحافظة، وذلك عبر الاشتغال على اللعبة الطائفية، وإيهام الناس بأنهم في مواجهة مدّ أصولي يستهدف الأقليات المذهبية، وهو ما اشتغل عليه في مجمل المناطق التي تسكنها أقليات مذهبية، وكان قد سبق ذلك بعقود، في إفراغ هذه “الطوائف” من مرجعياتها الوطنية التي يمكن الاحتكام اليها، ولعبة التغييب ابتدأت:
ـ أولاً ، بفرز مرجعيات تابعة، جلّها مطعون بشرفها.
ـ ثانيًا ، باعتقالات متتالية للمرجعيات التي تمثل حوامل اجتماعية مشهود لها بنزاهتها ووطنيتها.
وبين هذا وذاك الكثير من الرشاوى للمرجعيات الدينية التي اشتغلت لدى النظام كما لو باتت جزءًا من سدنته.
حدث ذلك لمجموع الأقليات في سوريا، ويوم اندلعت الثورة، حصد النظام بعض مازرع، بتحييد هذه الطوائف جزئيًا عن الالتحاق بالغضب الشعبي العام، وكان لمحافظة السويداء شكلاً من أشكال الخصوصية في تعاطيها مع الحدث الوطني الأشمل، وتعبيراته في:
ـ امتناع أبناء المحافظة عن الالتحاق بالمؤسسة العسكرية تحت عنوان “لن نحمل السلاح بمواجهة أهلنا”.
عمل النظام باجهزته على منحيين اثنين:
ـ محاولة احتواء الحالة دون الاصطدام المباشر معها.
ـ إطلاق مجموعات من الميليشيات التابعة للنظام لتعمل على السلب والنهب والاختطاف، بما يجعل الأهالي يشتبكون بعضهم ببعض، ليجلس بأجهزته “على رأس التلة”، تاركًا المحافظة في “فراغ السلطة” بعد أن أحال السلطة لميليشياته وربما بإشراف وتخطيط إيرانيين.
أمران وضعا محافظة السويداء بمواجه شديدة التعقيد، فالمواجهات ما بين الميليشيات والاهالي تعني فيما تعنيه اقتتالاً أهليًا، وسط تركيبة قبلية، الدم فيها يستدعي الدم، وبالنتيجة فأي كان الخاسر فـ “النظام وحده الرابح”، وهو امر بدا جليًا لدى السكّان، عملوا على تلافيه، ونجحوا إلى حد بعيد في إفشال ما اشتغل عليه النظام بأجهزته، ومن بين صفوف الأهالي خرجت مجموعات، تستند إلى مرجعيات يمكن اعتبارها “مرجعيات ثقة”، نادت بعزل النظام، والقطيعة معه، وكان أن ووجهت هذه المجموعات بالاغتيالات التي قيدت “ضد مجهول” فيما كانت الاغتيالات صريحة “معلومة السلاح والقاتل والقتيل”.
واليوم، وبعد أن أوشك النظام بتحالفاته على تحقيق نوع من الانتصار على الجانب العسكري، بات أكثر تغوّلًا واشتغالاً على “الثأر” من هذه المحافظة، كما على بقية مناطق سوريا، حيث النهب، والتجويع، وانتهاك الأعراض، فكان أن:
ـ فقد أي من مبررات وجوده بعد أن سطى على ما بتقّى من مقدرات الناس وصولاً لرغيف الخبز، عمليًا وليس مجازيًا، فكان أن تشكل حراك شعبي، في أبسط تعبيراته حراك مطلبي، يرجّح أن يتحوّل إلى حراك سياسي، قد تنتقل نيرانه إلى بقية المحافظات السورية، وتحديدًا إلى مجتمعات الأقليات التي لعبت في لحظة ما، رديفًا للنظام، شاركته في “الغرم” لتستبعد عن المغانم، وقد تكون جبال اللاذقية، هي الأقرب في اللحظة الراهنة لهذا النوع من الحراك، أقله بعد سنوات الجمر التي عاشتها هذه المناطق وبعد أن فقدت شبابها في عبث النظام وتغوّله، وقد يكون هذا ملحوظًا من خلال ظواهر فردية لابد وتتحول كما كرة النار، لتشمل ماهو أوسع من “ظاهرة فردية”، وليس ما تم تداوله من أنباء عن اعتقال الصحفي “كنان وقاف”، وهو واحد من عائلة “علوية” لها امتداتها في الساحل السوري، سوى بعض من تعبيرات مايمكن أن تتحمله الايام المقبلة.
نظام لم يبق للناس شيئًا، بعد أن دفع ناسها تكاليف بقائه من دم ودموع أبنائهم.
سوريا في مخاض عسير.
مخاض قد يحمل عنوان:
ـ ارحل يابشار.