الشرق الأدنى.. ثلاث قوى تتحكم والمشهد العربي في غيبوبة

صندوق المرصد
بات من الواضح أن الشرق الأدنى، من بلاد الشام حتى الخليج العربي، يعيش تحت معادلة إقليمية جديدة لا مكان فيها للدول العربية كقوى فاعلة، بل كساحات نفوذ وصراع. ثلاث دول فقط تتحكم بخيوط المشهد: إيران، تركيا، إسرائيل، فيما تظل الثروة النفطية والمالية العربية خارج معادلة القوة، تُستهلك وتُدار، لكنها لا تصنع قراراً.
إيران، بتمددها الأيديولوجي والعسكري، نجحت في تحويل الطائفية إلى أداة نفوذ تخترق بها حدود الدول وتعيد رسم خرائط النفوذ. من بغداد إلى بيروت، ومن صنعاء إلى دمشق، يتكشّف حضورها كقوة إقليمية صاعدة في ظل غياب الردع العربي.
أما تركيا، فهي تستثمر في تاريخ الإمبراطورية العثمانية وخطاب الإسلام السياسي لتوسيع حضورها، وتلعب بدهاء على تناقضات الداخل العربي، متوغلة في سوريا والعراق وليبيا، وتمدّ نظرها نحو شرق المتوسط والقوقاز، في ظل فراغ استراتيجي عربي واضح.
وإسرائيل، التي كانت حتى وقت قريب محاصرة بجدران القلق الأمني، باتت اليوم جزءاً من معادلة الأمن الإقليمي، ليس فقط عبر قوتها العسكرية والتكنولوجية، بل عبر التحالفات الاقتصادية والأمنية الجديدة.
في المقابل، يقف المشهد العربي على حافة العجز. الثروة حاضرة، القرار غائب. ما تبقّى من مظاهر الدولة الوطنية في كثير من العواصم العربية يُدار تحت ضغط الأزمات الداخلية، وأحياناً بإملاءات الخارج، بينما المشاريع القومية والهوية العربية المشتركة تتآكل لصالح هويات طائفية، إثنية، ومناطقية تُدار إما من طهران، أو أنقرة، أو تل أبيب.
هذه الحالة ليست وليدة اليوم، بل تتكئ على أبعاد تاريخية تراكمت منذ عقود. بداية من تفكك مفهوم القومية العربية بعد رحيل جمال عبد الناصر، ومروراً باتفاقيات كامب ديفيد وأوسلو وأبراهام التي أخرجت الصراع العربي-الإسرائيلي من سياقه التاريخي، وصولاً إلى انهيارات ما بعد 2011، التي فتحت حدود الدول العربية أمام كل من يملك مشروعاً، وتركتها بلا مشروع.
المستقبل، كما هو مرسوم حتى اللحظة، لا يبشّر بتغير جذري. تثبيت النفوذ الثلاثي يبدو سائراً نحو واقع مؤسسي، خطر التقسيم قائم في أكثر من دولة عربية، والثروة النفطية مستمرة كأداة في لعبة المصالح الدولية، لا كرافعة استقلال.
ومع ذلك، لا شيء مقدّر بشكل نهائي. لدى الدول العربية الكبرى، إن امتلكت إرادة سياسية جريئة، فرصة لإعادة بلورة حضورها عبر مشروع إصلاحي داخلي، وموقف خارجي مستقل، يضمن على الأقل ألّا تتحول العواصم العربية إلى مجرد خرائط ملحقة بأحلام الآخرين.
ـ الوقت لم ينتهِ، لكنه يضيق.