الطلقة الأولى كانت رقمية: كيف هزمت حرب سيبرانية خفية جيش الأسد؟

صندوق المرصد
في لحظة غير معلنة، وأثناء انشغال العالم بمعركة حلب، كانت هناك حرب أخرى تدور في الظل، لا يُسمع فيها أزيز رصاص ولا دوي مدافع. حرب هادئة، لكنها أكثر فتكًا، لم يُكشف عنها إلا مؤخرًا بتحقيق نشرته مجلة نيو لاينز الأميركية، سلط الضوء على واحدة من أكثر العمليات السيبرانية إثارة في الشرق الأوسط، كان ضحيتها هذه المرة جيش النظام السوري.
بحسب التحقيق، فقد استخدم خصوم نظام الأسد وسيلة غير تقليدية لاختراق المؤسسة العسكرية السورية، فقد تم الترويج بهدوء داخل قناة مغلقة على تطبيق “تلغرام”، حيث تم تسويقه على أنه برنامج “مفيد للجنود” وبسرعة لافتة، انتشر بين مئات الجنود والضباط، دون أن يدركوا أنهم أدخلوا العدو إلى جيوبهم.
كان التطبيق في الواقع برنامج تجسس سيبراني، قادرًا على الوصول إلى بيانات الهواتف، من رسائل وصور ومواقع لحظية، بل وحتى ملفات تتعلق بخطط انتشار وتحركات القوات على الأرض.
لم تكن تلك العملية مجرد “تجسس إلكتروني” كما قد يُفهم في العادة، بل كانت عملية عسكرية كاملة، بطابع رقمي فبفضل ما تم تسريبه من هذا التطبيق، استطاعت فصائل المعارضة (وربما أطراف إقليمية أو دولية) معرفة تموضعات الجيش، ونقاط ضعفه، وحجم قواته، وتوقيته في الرد والانتشار.
ويشير التحقيق إلى أن هذه “الطلقة الرقمية” كانت الشرارة الأولى التي أدت إلى انهيار واسع في بنية الجيش السوري في محيط حلب، مما ساعد في سقوطها لاحقًا بيد المعارضة.
لا يُحدد التقرير هوية الجهة التي طورت التطبيق، لكنه يضع في دائرة الشك عدة أطراف:
ـ فصائل سورية معارضة تمتلك خبرات رقمية.
ـ أجهزة استخبارات لدول لها مصلحة في إضعاف النظام.
ـ جهات غير حكومية متقدمة في مجال الأمن السيبراني.
هذا الغموض يعكس سمة رئيسية في الحروب السيبرانية الحديثة. لا أثر مباشر، ولا توقيع، ولا شهود.
ما جرى في سوريا ليس حالة استثنائية. فالعالم شهد خلال العقد الأخير سلسلة من الحروب السيبرانية التي غيّرت موازين القوة:
في أوكرانيا، تعرّضت شبكة الكهرباء لهجمات أدت إلى انقطاع تام للطاقة.
في 2017، دمّر فيروس “نوت بيتيا” أنظمة حاسوبية عالمية، وخلّف خسائر بمليارات الدولارات.
تدخلات رقمية في الانتخابات طالت دولاً كبرى، هزّت الثقة بالديمقراطية.
هذه الوقائع تثبت أن الحرب لم تعد تتطلب دبابات ومقاتلات. يمكن لرمز برمجي صغير أن يُحدث أثرًا يفوق قصفًا جويًا.
تكشف هذه الواقعة عن تحوّل عميق في فهم الحرب والسيطرة. لم يعد النصر يُقاس فقط بعدد القتلى أو حجم الدمار، بل بمدى القدرة على اختراق الوعي، والأنظمة، والاتصال.
في الحالة السورية، كان الاختراق رقميًا، والدمار حقيقيًا. وهذا يفتح الباب لسؤال كبير:
ـ هل الجيوش التي لا تملك “سلاحًا سيبرانيًا” ستبقى على قيد الحياة في معارك الغد؟