النازحون .. المنسيون سوى من حرائق الخيام
نجيب ميقاتي يشتغل على ترحيل اللاجئين السوريين من لبنان، وللأمر ضفتين يمكن الوقوف على كل منهما:
ـ على الضفة الاولى، وهي الضفة اللبنانية، فاللبنانيون غارقون، والغارق لاينتشل غارقًا، وبالنتيجة صعب على لبنان استيعاب هذا الكم الهائل من النزوح.
وعلى الضفة الثانية، فالنزوح السوري كان وبجزء منه منتجًا من منتجات التدخل العسكري لحزب الله في لبنان، وبالتالي فعلى لبنان أن يقلع شوكه بأيديه.
إذا ماخرجنا من كلتا الضفتين، فالنزوح السوري سواء إلى لبنان أو سواها، يصب في مصلحة النظام، فإخلاء البلاد من السكان ومعظم النازحين والمهاجرين من الشباب، فهذا يعني “ترييح” النظام من قوى يمكن أن تستعيد ساحات الاعتراض والتظاهر، والعودة لهتاف:
ـ الشعب يريد.
بكل الحالات، ما من نزوح أبدي، فالحروب االاوروبية أنزحت شعوبًا عادت ما بعد انتفاء أسباب النزوح، وفي الحالة السورية، ثمة غياب واضح وصريح للاشتغال على مشكلة النزوح، ولاندري أهو إهمال مقصدود أو جهلاً بنتائجه من قبل “المجتمع الدولي” وقد أهمل موضوع النزوح رغم انفجارها اقله في لبنان وتركيا وجزئيًا في الأردن، وإهمال ملف كهذا يعني فيما يعنيه هدر حقوق شعب في العودة الى موطنه، ولكي يعود شعب إلى موطنه لابد أولاً من “الأمان”.. الأمان يعني هنا العودة إلى البيت لا إلى السجن، وهو امر متصل بالحوار السوري السوري باتجاه تسوية ما، تسوية تتضمن مؤتمرًا وطنيًا سوريا يرسم للعلاقة مابين السلطة والمجتمع، باتجاه عقد اجتماعي جديد، وهو الطموح الصعب، بل والمستحيل في ظل طرفين:
ـ سلطة سياسية لم تراجع حساباتها ولم تشتغل على التصالح مع الناس، بل امتدت اكثر واكثر في العنف واجتثاث كل صوت لايشبه صوتها.
ومعارضة مرتهنة، ومتذرذرة، بلا مرجعية صريحة ولا جسد يجمعها، هذا إذا ماقلنا “معارضة متواطئة”، أبسط تمظهرات تواطئها محاكاتها للنظام وتشابهها مع النظام، وحرصها على أن تعيد قيم النظام لا قيم الناس وتطلعات الناس.
قضية النازحين السوريين، بالإضافة لمواجعها التي تطال كرامة الناس، انتجت على التوازي عنصريات بالغت الوضوح، ففي تركيا على سبيل المثال بات السوري عرضة للمهانة والامتهان، مع أن جزءًا كبيرًا ممن لجؤوا إلى تركيا يشتغلون بالحرف المنتجة، بما لايجعلههم عالة على المضيف التركي، وفي لبنان، كان الامر كذلك، وكذا الحال في الأردن.
الاعتراض على عودة النازحين يعني منح النظام فرصة للاستئثار الأبدي بالبلد، مواردًا، وسياسة، واستفرادًا بالسلطة التي لم تبق سوى محازبيها، كما الاعتراض على عودتهم يعني حرمانهم الطبيعي من اوطانهم وذاكرتهم وبيوتهم، والاهم من هذا وذاك متاهة أبنائهم الذي يضيعون هويتهم الأم، ولا يعثرون على هوية الوطن البديل.
قضيتان ربما تصلحان لتكونا أولويات سورية:
ـ الاولى هي موضوع المعتقلين السياسيين، الذين غابت أخبارهم وباتوا بحكم المنسيين وسط كذبة أطلقها النظام عبر ثرثرات مرسوم العفو العام الذي لم يعف سوى لصوص السجون، شركاء لصوص السلطة.
وموضوع النازحين واللاجئين الذي ترتفع حدته يومًا بعد يوم.. ابتدأ في تركيا، وانتقل إلى لبنان، والحرائق مازالت تشتعل في خيام النزوح كما في أبدان النازحين.
بانتظار “مجتمع دولي” يلتفت؟
المجتمع الدولي في مكان آخر اليوم، وبالأمس، وربما من ازله إلى أبد الآبدين.