النظام الفريد بالزمن فائض الفرادة
زمن الأب، صعد البيرقراط الحكومي حتى امتلك البلد تاركًا هامشًا لوجود ونمو طبقة وسطى، ومع الابن انهارت الطبقة الوسطى لحساب المافيا المنظمة والشبيحة، لتنهار الطبقة الوسطى لاحقًا ويغدو الناس كل الناس تحت خط الفقر، وفيما بعد انهار خط الفقر على ساكنيه حتى تساوى مؤيدو النظام مع معارضيه، وتساوى كارهيه مع محبيه، وصار الجميع أسوة في الفقر والفاقة حتى:
ـ الإجهاز على قطاع التعليم، ليكون التعليم للحفنة والحفنة فقط فيما الجامعات الحكومية سجون، والمدارس الابتدائية والاعدادية ومن بعدهما الثانوية معجزة.
ـ الإجهاز على قطاع الدولة المنتج لحساب الرساميل الريعية، رساميل الوساطات والكومسيون والمخدرات والدعارة بشكليها المستتر والمفضوح.
ـ انهار الجيش كمؤسسة وطنية جامعة لحساب الميليشيا، وتحويل العسكري إلى الخدمة المنزلية أو المقبرة بوصفه ضحية.
انهارت المدينة، وكان الريف قد سبقها إلى الانهيار أعقاب احتكار المدينة للثروة، وهجرة الريف الى المدينة، وإعدام المسألة الزراعية حتى باتع الزرّاع عاطلون عن الزراعة وبات إنتاج الطحين معجزة.
ويوم ثار السوريون ثاروا من اجل الكرامة، والكرامة في واحدة من اشتقاقاتها، بل واولوية أولوياتها الخبز، فلا كرامة لمن يتسول الرغيف، حتى قال أبو ذر الغفاري:
ـ إني لأعجب من رجل يدخل بيته ولا يجد فيه الرغيف كيف لايخرج إلى الناس شاهرًا سيفه.
ودمرت المدن، وهجّر البشر، واستزفت الحرب الموارد، وارتهن ثلثي البلد للأجنبي فيما الثلث الباقي لسمسار الأجنبي.
كل ذلك والنظام لم يتزحزح قيد أنملة لاعن خطابه ولا عن ثقافته، ولا عن شعاراته، ولا عن عنجهيته، والتسويات باتت مغلقة، فيما اعتذار ولو خجول من النظام لم يحدث وربما في حكم المستحيل حدوثه.
المنتصرون يجددون كهولتهم بشباب النصر، والهزائم تصيب حامليها بالشيخوخة، ولكنه بات أكثر شيخوخة مما كان ماقبل انتصاره أو مايحلو له أن يسميه انتصارًا فجدد من كل ماجدد أدوات قمعه، وطرائق فساده، وانقضاضه على لقمة الناس بدءًا من كسرة الخبر إلى مرعى غمنة في أقصى البادية السورية.
لا أعاد إعمار مدينة، ولا أعاد النظر بشعارات أوصلت البلد إلى ماوصل اليه.
خرج من أزمته مأزوماً بأزمات مضاعفة:
ـ أزمة الشرعية الساقطة.
ـ أزمة الإعمار المستحيل.
ـ أزمة الانهيار الاقتصادي بموازاة الانهيار الأخلاقي.
وأكثر من هذا أزمة عسكرية تسمح للطيران الإسرائيلي أن يلعب فوق سماء دمشق باعتبار السماء نكتة.
كل ذلك والنظام، لايتراجع، ولا يعتذر، ولا يعيد النظر بما آل اليه وما آلت إليه البلد.
من الصعب تعريف هذا النوع من الأنظة.
لا الدكتاتوريات بلا كرامة، ولا الديمقراطيات بلاعقل، وهذا نظام بلا كرامة ولا عقل معًا، ما جعله يحمل المجد من طرفيه ليكون:
ـ النظام الفريد.. بصيغة فريدة، لعالم فريد يشتغل على إعادة تعويمه.