بالأمس عظّموا سيادته، واليوم لاعظّم الله أجره
زاوية مينا
ربما يكون اللبنانيون أكثر براغماتية من السوريين، أقله لسببين:
ـ غياب الدولة المركزي تاريخياً، فلبنان هو “سيادة المجتمع الأهلي” و “غياب الدولة المركزية”.
والسبب الأول هو من أعاق (مُحقِاً) نمو الثاني، ولهذا فالمرونة في المواقف، وتغيير اتجاهات السير سيبدو في لبنان أكثر مرونة مما هو حال حركة السير في سوريا.
واليوم، سيبدو الحال أكثر وضوحاً ما بعد سقوط بشار الأسد، حيث انقلبت مواقف ساسة وإعلاميين لبنانيين يعتبرون من أشد حلفائه إخلاصاً وعنفاً ضد خصومه، بشكل فاجأ المراقبين وأثار سخرية الناشطين والمعلقين، كما دفع إلى جدل حول انتهازية البعض وسرعة انقلابه من دور الى آخر.
من الشخصيات المعروفة التي انقلبت على النظام السوري بعد سنوات من دعمه، النائب جميل السيد، المعروف بعلاقاته الوثيقة بالنظام السوري وببشار الأسد شخصياً، فقد وصف الأسد بشكل ضمنيّ بعد سقوطه بالمجرم في تغريدة قال فيها “من سخرية القدر أن قادة ميليشيات لبنانية خطفوا وقتلوا وذبحوا واعتقلوا وعذبوا وهجّروا الآلاف.. يخرجون اليوم مستنكرين جرائم النظام في سوريا. عندما ينتقد مجرمٌ مجرماً آخر، فهذا لا يجعله بريئاً، بل يجعلهما متساويين في الإجرام”.
أما رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني، طلال أرسلان، المعروف أيضا بعلاقته الوثيقة مع النظام السوري، فقد شدّد في حديث صحافي على احترامه “قرار وإرادة الشعب السوري وطموحه للتغيير”، مؤكداً أن ما يهمّه وحدة الأراضي السورية، ومنع الانزلاق إلى الفوضى أو التقسيم، مع الدعوة إلى تحرير سوريا من الجيوش الإقليمية والدولية المتصارعة.
وعلى صعيد الإعلام، شهدت الساحة اللبنانية تغييرات ملحوظة في مواقف بعض الإعلاميين. الصحافية غدي فرنسيس، على سبيل المثال، وصفت بشار الأسد في تغريدة بـ”الوريث الغبي المجرم”، وقالت “الأسد أو نحرق البلد… نفذ هذا الشعار بحذافيره، أحرق البلد وكذب على الجميع: الإمارات، السعودية، إيران، روسيا، والمقاومة”.
من جانبه عبّر الإعلامي سالم زهران عن موقفه بتهكم في حديث إعلامي، قائلاً “إذا كان بشار الجعفري ورئيس الحكومة ووزير العدل ووزير الأوقاف سعداء، فلماذا أحزن أنا؟”.
أما الإعلامي فادي بودية، فقال في مقابلة “بدأ الناس يلقون باللوم على حزب الله وإيران وروسيا، أي حلفاء النظام السوري، رغم أن هؤلاء الحلفاء لا يقاتلون عن النظام إلا عند الضرورة، عدا عن أن الشعب السوري كان يستقبل هذا التغيير، والجيش السوري لم يقاتل، والقيادة السورية التزمت الصمت المريب”.
إمام وخطيب جامع “الإمام علي بن أبي طالب” الشيخ حسن مرعب، المعروف بدعمه السابق لـ”حزب الله” انقلب على الحزب بعد سقوط الأسد، قائلاً في تغريدة: “حزب الله ناكر للجميل فبالأمس كنت إماماً وشيخاً ومرجعاً سنياً، أما اليوم فصرت بالنسبة لهم شيطاناً رجيماً بسبب مواقفي من سوريا وأنا تحملت كثيراً نتيجة مواقفي المؤيدة لهم”. ووصف الأسد بالمجرم السفاح الهارب قائلاً “لعنة عليه وعلى والده وعلى نظامه وزبانيته ومن والاهم وأيدهم ونصرهم”.
الحال في سوريا يبدو اكثر “تكويعاً” ومنافسة “للتكويعات اللبنانية”، فالكل يتبرأ من بشار الأسد، بمن فيهم زبانيته ومحاسبيه، حتى بات “منبكجية الأمس هم منحبكجية اليوم”، صحفيون وفنانون ورجال سياسة، وقد يكون الصوت الأعلى من بينهم بشار الجعفري الذي كال للأسد المخلوع من الشتائم ما يكفي لمنافسة شعراء الهجاء بدءاً من الحطيئة، وكذا حال ممثلون من طراز بسام كوسا الجالس الأقرب من كرسي بشار في آخر لقاء للمخلوع مع الفنانين السوريين الذين:
ـ عظّموا سيادتهم.
واليوم:
ـ لا عظم الله أجره.