بعد قرار المحكمة الاتحادية.. توقعات بصراع شيعي- شيعي في العراق ومصير جديد لقادة الميليشيات
مرصد مينا – هيئة التحرير
مع إعلان المحكمة الاتحادية العليا في العراق، رفض الطعون المقدمة من قبل أحزاب وميليشيات عراقية مدعومة من إيران، ضد نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت في تشرين الأول الماضي، تتصاعد المخاوف من اشتعال الساحة العراقية، على الرغم من ما يتردد مؤخراً عن طلب إيران من ميليشياتها العراقية الإقرار بالهزيمة وعدم التصعيد ضد الحكومة العراقية.
يشار إلى أن الانتخابات الماضية شهدت تراجعاً كبيراً لتحالف الفتح النيابي الموالي لإيران، والذي كان يمتلك الأغلبية في البرلمان السابق، حيث حصل على 17 مقعداً فيما حل التيار الصدري في المقدمة بأكثر من 70 مقعدٍ.
احتمالات ممكنة في ساحة مفتوحة للصراع
التوقعات بتأجج الصراع في العراق هذه المرة، وفقاً للباحث “مطيع البصراوي”، لا يرتبط بالعلاقة المتوترة بين الدولة العراقية وما يعرف بالأحزاب الولائية المدعومة من إيران فقط، وإنما يمتد إلى مخاوف وقوع صدامات داخل الشارع الشيعي، وتحديداً بين الكتلة الصدرية والميليشيات المدعومة من إيران، لا سيما بعد التهديدات التي أطلقها رئيس كتلة ائتلاف دولة القانون، “نوري المالكي” تجاه التيار الصدري وسياساته.
ويلفت “البصراوي” إلى أن الموقف الإيراني الجديد في العراق لا يعني أن الميليشيات ستقبل بتشكيل حكومة تابعة للتيار الصدري بسهولة، خاصةً وأن رئيس الوزراء الأسبق، “نوري المالكي” يسعى لأن يستعيد نفوذه في العراق وطرح نفسه وكيلاً جديداً للنظام الإيراني في البلاد، لافتاً إلى أن قلق “المالكي” يأتي من ابتعاد “مقتدى الصدر” عن الجوقة الإيرانية واقترابه من جوقة الحكومة.
يشار إلى أن “المالكي” ممثلاً بما يسمى “الإطار التنسيقي”، حذر من منحى خطير بسبب ما أسماه التجاوز على القانون” متهماً “مقتدى الصدر” بممارسة ضغوط “غير قانونية” ضد المحافظين ورؤساء المؤسسات والدوائر المقربين من إيران، لإجبارهم على الاستقالة خلافا للقانون والدستور وتجاوزا للأطر القانونية والإدارية وتحت ذرائع بات واضحا ما يقف خلفها من دوافع، على حد وصفه.
في ذات السياق، فإن قرار المحكمة الاتحادية، يشكل بحسب رؤية “البصراوي” بداية للصراع الشيعي – الشيعي، أكثر من كونه نهاية لخلافات حول الانتخابات ونتائجها، مشيراً إلى أن تشكيل حكومة من قبل التيار الصدري قد يترافق مع إقصاءات كبيرة لموالي الأحزاب والميليشيات المحسوبة على إيران، وهو ما تعتبره الأخيرة تهديداً كبيراً لها ولنفوذها وإقصاءاً لها من مؤسسات الدولة العراقية.
كما ينوه “البصراوي” إلى أن مواقف “الصدر” خلال الأشهر الأخيرة لا تتناغم إطلاقاً مع حلفائه السابقين الداعمين لإيران، لا سيما من جهة المطالبة بإسقاط السلاح خارج إطار الدولة العراقية، مشدداً على أن تلك التوجهات ستثير غضب الأحزاب الولائية التي ستتجه لتحشيد الشارع الشيعي ضد الحكومة المقبلة، وأن الأمور حينها قد تتجه إلى المواجهات المسلحة، خاصة وان “الصدر” يمتلك زخماً كبيراً في الشارع العراقي ومن غير السهل إعاقة أي حكومة يدعمها.
تزامناً مع نظرة “البصراوي” يقول الخبير في شؤون الميليشيات والحركات المسلحة، “صادق اللامي”: “هناك تطورات كبيرة سيشهدها العراق خلال الأشهر المقبلة قد تبدأ بمحاولات لإسقاط البرلمان عبر الشارع، والتي قد تتحول إلى أعمال عنف”، لافتاً إلى أن شبح الحرب الأهلية عام 2006 يعود من جديد ولكن هذه المرة بين الكتل الشيعية.
تبدلات في الشخصيات وتسييس لصراع مسلح
التقلبات الجارية في العراق والأزمة الإيرانية والتهديدات بتوجيه ضربات عسكرية للنظام في طهران، ستجبر إيران إلى الدفع بـ “المالكي” إلى واجهة الأحداث ونقل مركز ثقل الدعم الإيراني من زعماء الميليشيات إليه، حسبما يرى “اللامي”، الذي يلفت إلى أن دعوة إيران لزعماء الميليشيات للإقرار بالهزيمة النيابية لم تكن فقط لتهدئة الأجواء فحسب وإنما تحضيراً للمرحلة الانتقالية التي ستشهد تراجعاً ملموساً لزعماء تلك الميليشيات وبشكل خاص زعيمي تحالف الفتح “قيس الخزعلي” و”هادي العامري”.
كما يشير “اللامي” إلى أن الدفع بـ “المالكي” يأتي من كونه عراب الاتفاقية الأمنية بين بغداد وواشنطن عام 2009، إلى جانب رغبة طهران بوضع غطاء سياسي لميليشياتها المسلحة، متوقعاً أن يتصاعد ظهور “المالكي” على المستوى الإعلامي بوصفه شخصية سياسية، بهدف إبعاد الجدل الدائر حول زعماء الميليشيات.
دور “المالكي” في المرحلة المقبلة، بحسب “اللامي” سيتركز على منع تشكيل الحكومة الجديدة أو على الأقل عرقلة أي قرارات قد تطال سلاح الميليشيات والشخصيات المدعومة من إيران داخل الدولة العراقية، على اعتبار أنه يملك 33 مقعداً داخل البرلمان ويأتي في المرتبة الثالثة بين الكتل النيابية، لافتاً إلى ان بقية المقاعد المحسوبة على الميليشيات أو المدعومة من إيران ستنضم لصالح كتلة المالكي في تشكيل الجبهة المعارضة للصدر.
يشار إلى التيار الصدري حل بالمركز الأول في الانتخابات بعد أن حصل على 71 مقعداً فيما حل تحالف تقدم بزعامة رئيس البرلمان “محمد الحلبوسي” ثانيا بـ37 مقعد وتحالف دولة القانون بزعامة “نوري المالكي” ثالثا بـ 33 مقعد والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة “مسعود بارزاني” بـ 31 مقعد، فيما حصل تحالفات كل من الفتح وعزم وتحالف كردستان على 17 مقعد.
ضمن الحديث عن تسييس الصراع في العراق، يتفق المحلل السياسي، “عبد الباري الجبور” مع فكرة صعود نجم “المالكي” في بوتقة المدعومين إيرانياً كخيار مرحلي وند شيعي للصدر، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن ذلك لا يعني استبعاد كلي لإمكانية الصدام المسلح، خاصةً وأن المالكي ميلشيوي سابق يرتدي بزة السياسيين.
كما يحذر “الجبور” من مؤامرة قد تلجأ إليها إيران عبر “المالكي” لضرب الحكومة الجديدة أو العراق ككل، من خلال تحريك خلايا نائمة لمنظمات إرهابية، مذكراً بأن “المالكي” ومعه القائد السابق للحرس الثوري الإيراني، “قاسم سليماني” متهمين بالتواطئ مع تنظيم داعش للسيطرة على الإقليم السني في البلاد عام 2014 للتغطية على المظاهرات والمطالبات بإقصاء “المالكي” من رئاسة الحكومة وقتها.
يذكر أن ضابط سابق في جهاز أمن “المالكي” كان قد كشف في وقتٍ سابق، عن اجتماع عقده “المالكي” و”سليماني” بحضور عدد من قادة الميليشيات، مبيناً أن الاجتماع تضمن الاتفاق على تسليم محافظة الأنبار ومناطق وسط العراق لتنظيم داعش الإرهابي، لصرف النظر عن المطالبات بإقالة “المالكي”.
نقاط قوة وضعف وخطوات لا تراجع عنها
أياً كانت سيناريوهات المواجهات المحتملة مع الإطار الشيعي الحليف لإيران، سيدخلها التيار الصدري بقوة كبيرة مستفيداً من دعم الكتل النيابي غير الشيعية وتحديداً الكتل السنية والكردية، بالإضافة إلى استفادته من ميل الدول الإقليمية والقوى العظمى لإنشاء حكومة قوية في العراق، وفقاً للمحلل السياسي، “محمود الحسيني”، لافتاً إلى أن المواقف التي أطلقها “الصدر” مؤخراً ستكون كفيلة بمنحه الدعم الدولي لصالح استقرار العراق، وهو ما يمكن اعتباره واحدة من نقاط القوة التي يمتلكها “مقتدى الصدر” في تلك المواجهة.
في ذات السياق، يشدد الحسيني” على أن “الصدر” قد يتجه إلى تطهير الحكومة المقبلة ومؤسسات الدولة العراقية من شخصيات محسوبة على الميليشيات الولائية، التي بات يعتبرها أكبر خطر يهدد أكثريته النيابية، موضحاً أن سوء الوضع الداخلي والدولي بالنسبة لإيران وقلقها من الضغط العسكري عليها سيمثل بدوره أيضاً نقطة قوة إضافية للتيار الصدري والحكومة العراقية مقابل نقطة ضعف للميليشيات.