“بوتين” إذا ما انتصر
بعد تخطيها لليوم العاشر، بات السؤال المتصل بالحرب الروسية / الاوكرانية اكثر تحديدًا:
ـ ماذا لو كسب فلاديمير بوتين الحرب؟
وفوق ذلك ثمة من يعقّب “لا يبدو أن بوتين في سبيله لخسارة الرهان”، أقله هذا ماحملته مجلة «نيوزويك» الأمريكية مع بدء الحرب الروسية في أوكرانيا، وقالت باختصار إن “بوتين لم يخسر حربا أبداً”، عبر عشرين سنة مضت، لا في الشيشيان ولا في جورجيا ولا في القرم ولا في سوريا ولا في كازاخستان، وتوقعت المجلة، أن بوتين سيكسب أيضا حربه الجديدة في أوكرانيا، وفي تفسيرها لهذا الاستخلاص تقول المجلة والتفسير بأن بوتين لا يدفع قواته إلى حروب استنزاف طويلة الأمد، ويرسم أهدافا عسكرية وسياسية قابلة للتحقيق، وبأقل خسارة ميدانية ممكنة، والذي يراقب ما جرى في أيام الحرب الراهنة الأولى، يلحظ مزج بوتين السلس المفاجئ لخصومه، بين اعتبارات السياسة وقوة السلاح، وكان بوتين بدأ الحرب بقصف صاروخي مركز خاطف، وبهدف تدمير البنية التحتية العسكرية الأوكرانية، وهو ما استمر بوتيرة أبطأ في الأيام التالية، وباستعراض مقصود لقدرات العسكرية الروسية المتفوقة، من صواريخ “كاليبر” إلى صواريخ “إسكندر” بعيدة المدى عالية الدقة، مع دفع تدريجي محسوب للقوات إلى داخل أوكرانيا، التي يعرف الروس سلاحها “السوفييتي” وتضاريسها جيدا، وخاضوا من فوقها حروبا تاريخية، أهمها ما يعرف روسياً باسم “الحرب الوطنية العظمى”، التي توالت من بعدها هزائم جيوش هتلر، وتدمير عاصمته برلين، التي كانت قوات الروس أول من دخلها منتصرا في نهاية الحرب العالمية الثانية، التي تطبق دروسها الباقية في حرب أوكرانيا اليوم، ذات النطاق الأضيق، القابل نظريا للتوسع إلى ما لا حدود، وفي ما يشبه حربا عالمية ثالثة، لن تندلع قريبا على الأغلب، خصوصا بعد تعمد بوتين استخدام المطرقة النووية، وأوامره لقواته باستنفار حالة التأهب النووي القصوى، وروسيا هي القوة النووية الأكبر في عالم اليوم، وقد أراد بوتين بإعلانه المرعب، أن يرسم حدودا للتدخل الأمريكي الأوروبي في حرب أوكرانيا، ظهر أثرها الفوري بإعلان البيت الأبيض و”البنتاغون”، ومعه بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي، عن امتناعها ورفضها مسايرة صيحات استغاثة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، ومناشدته اللحوحة لواشنطن بفرض منطقة حظر طيران في أجواء أوكرانيا، أو أقله في سماء الجزء الأوكراني الغربي الملاصق لدول منضمة بالفعل لحلف “الناتو”، وهو ما رفضته واشنطن على نحو قطعي، بدعوى الرغبة في عدم التورط بقتال مباشر مع الروس، قد يشعل الحرب العالمية الثالثة.
كل تلك الأسباب ولابد أن يضاف اليها السياسة الامريكية التي تجازف بالأوكران وتضحي بهم وبمقاومتهم، وهي مقاومة مذهلة بكل الحالات، غير أنها المقاومة “العين” بمواجهة المخرز، وغالبًا لن تؤدي الى دحر القوات الروسية، التي تشتغل على عدم الانجرار إلى عواقب الانزلاق إلى حروب مدن مستعجلة باهظة التكاليف، وتفضيل تكتيك حروب التطويق وحصار المسلحين وجيش الأوكران داخل المدن، ثم طلب التفاوض أو دفعهم للاستسلام بالتفوق النيراني الحاسم، وبحسب تصور محدد، بدأ بقطع اتصال أوكرانيا بالبحر الأسود وبحر آزوف، وصولا لقضم “خيرسون”، وتقطيع تواصل القوات الأوكرانية، ودفع قوات الانفصاليين الروس لإنهاك الجيش الأوكراني في إقليم “دونباس” الأغنى بموارده وصناعاته، والاستيلاء المتتابع على المدن والبلدان الصغيرة، وحصار “ماريوبول” كبرى مدن “الدونباس”، في حين لا تريد روسيا احتلالا دائما لباقي أوكرانيا غربا، وتصر على نزع سلاح شبه شامل للجيش الأوكراني، والسيطرة على المحطات النووية الأربع، وقهر من تسميهم بالنازيين الجدد والقوميين الأوكران، وعزل جماعة الرئيس زيلينسكي، عبر عملية “خض ورج” لأوضاع الداخل الأوكراني، والاستخدام المزدوج للسلاح وعروض التفاوض في نفس واحد، على طريقة دفع زيلينسكي إلى مفاوضات، جرى بعضها في بيلاروسيا الحليفة لروسيا، تريد منها موسكو أن تمهد لاتفاق استسلام أوكراني كامل، مع اقتحام العاصمة “كييف”، وإثبات خيبة الغرب الذي لجأ لتكتيكات قديمة، سبق أن زودت بها واشنطن كتائب “المجاهدين” في حرب استنزاف الروس ـ السوفييت ـ بأفغانستان، وربما عن طريق طرازات الأسلحة ذاتها، من نوع صواريخ “ستينجر”، التي يطلق عليها لقب “قاتل الطائرات”، وإضافة صواريخ “جافلين” جزار الدبابات، وكلها أسلحة ذاهبة غالبا إلى مخازن السلاح الروسي في النهاية، وبالذات حين تمد موسكو ذراعها العسكرية إلى حدود أوكرانيا الغربية، وتوقف تدفق السلاح والمتطوعين الأوروبيين الراغبين بالانضمام لما يسمى اصطلاحا “فيلق الأجانب” ، وهو ما يدعم دعوى موسكو في تحول أوكرانيا إلى بؤرة نازية، وإلى خطر قابل للتطور نوويا على أمن روسيا، التي لا تريد اليوم منع انضمام أوكرانيا إلى “الناتو” فحسب، بل تحويلها إلى فضاء مفتوح خاضع تماما للإدارة الروسية، وليس الاكتفاء بجعلها منطقة محايدة عازلة على حدود روسيا مع دول “الناتو”.
إذا صحت قراءة قراءة “نيوزويك ” هذه فما حال أوروبا؟
سيكون الاكتساح الروسي لاوكرانيا سابقة تخيف أخواتها في أوروبا، وفي شرقها بالذات، تدفعهم إلى ميل للتخفف من عبء عداوة موسكو، والسعي لكسب فرص البقاء الآمن إلى جوار الروس، أكثر من ذلك سيواجه “الناتو” وبالتحديد الولايات المتحدة مذلة ليست أقل من تلك التي حصدتها في أفغانستان.
هذا إذا ما انتصر “بوتين”، وهو احتمال.. وعندها سيتحول صاحب الكرملين من :
ـ بوتين إلى إيفان الرهيب.
من قال أن الحروب كل الحروب لاتحمل احتمالات ومفاجآت؟