بوتين ـ ماكرون.. أحجية الطاولة
بلا شك فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقح، وبلا شك أنه “يرغب” في أن يكون جوزيف ستالين لا بوريس يلتسين، وكذلك بلا أدنى شك فإنه يتهوّر بالحدود التي لاتسمح له بالانهيار، ولذا يحيل الصراع المكشوف إلى نكتة مكشوفة، وذات يوم كان على خلاف مع المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، وكان قد جلس إلى جانبها وهمس:
ـ أضاجعك؟
قالها باللغة الروسية التي أربكت المترجم، غير أن ميركل ضحكت حتى انفجار خاصرتيها، ولم تعتبر كلام الروسي إهانة للألماني، ومن بعدها سارت المركبة الألمانية الروسية متجاوزة مطبات الانهيار.
هذا هو فلاديمير بوتين، وبلا شك فالرجل اليوم يتخبّط ما بين حرب مكشوفة قد تودي بزعامته وبروسيا علىى حد سواء، وبين اللعبة الدبلوماسية باعتبارها الوجه الآخر للحرب التي تحول دون قرقعة السلاح.
آخر ما اعتبر نكتة، كانت “طاولة بوتين ـ ماكرون”، وهي الطاولة الأوسع من ملعب كرة مضرب، وفي المسافة الطويلة الممتدة ما بين الرجلين، كانت مواقع التواصل تضج بـ “التنكيت”، و “الاستغراب” وثمة من ذهب أبعد ليعلنها حربًا عالمية ثالثة، ومن بعد انجلت الأحجية، وسردت الحكاية، والحكاية كما تم تدولها تختصر بأن الرئيس الفرنسي رفض طلب الكرملين بالخضوع لفحص روسي لكورونا لدى وصوله للقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين، ما تسبب في جلوسه على بعد من الزعيم الروسي.
صُدم المراقبون بصور ماكرون وبوتين وهما جالسان متباعدين عند طرفي طاولة طولها 4 أمتار لبحث الأزمة الأوكرانية، ما دفع بعض الدبلوماسيين وآخرين للقول إن بوتين ربما يريد إرسال رسالة دبلوماسية.
واقع الحال هي رسالة دبلوماسية، ولكنها الرسالة التي جاءت ما بعد قلق الرئيس الروسي البالغ من أمرين اثنين:
ـ أولهما المسألة الأوكرانية التي سيكون إزاءها “بالع الموس” ، فإما أن يفتح جبهات القتال وهذا لن يكون بصالحه ولا بأية حسابات، وإما أن يفتح حدوده لتمدد الناتو على حدود بلد يطمح للتخلص من الإرث الروسي بدءأ من القيصر حتى بوتين.
ـ وثانيهما صورته أمام الشعب الروسي والاستحقاق الروسي المقبل والمتصل بالانتخابات، وقد أخذ علمًا بأن “الناتو” يشتغل على تخريبها من خلال “خيول طروادة” الروسية والهجمات السيبرانية. ولكنه في الوقت الحالي سوف ينشر جيشاً يتألف من أكثر من 1500 من جماعات الضغط، بما في ذلك مستشار ألماني سابق، ورئيسا وزراء فرنسي ونمساوي سابق، للترويج لفاتورة بضائعه في بلدان حلف شمال الأطلسي، استباقًا لمخاوفه إياها وهو أمر يستدعي مناورات إعلامية من نموذج الطاولة التي تجعل منه الروسي القوي، مقابل الفرنسي الركيك، ووقد يكون مصيبًا حين يتعلق الأمر بمعادلة ماكرون، الفرنسي الذي لم يرث شيئًا من شارل ديغول.
بالمحصلة هي لعبة إعلامية فاز بها بوتين، ولكن لعبة الموائد بلا شك تختلف عن لعبة الخنادق، فروسيا محاصرة حتى لو استدعت حليفًا صينيًا، وهو حليف يقايض رأسًا برأس، ولن يعوزه مقايضة رأس بوتين برأس نووي وأسواق أمريكية، فإذا ماكانت المعاهدات الروسية ـ الصينية تشتغل على “حلف بمواجهة الولايات المتحدة”، فهو حلف قابل للبيع والشراء، فصينيو”المنجل والمطرقة” أشد براغماتية من أمريكا “ووسل تسريت”، فإذا ماكانت المقايضة الأمريكية ـ الصينية، فمن السهولة بمكان أن يبيع االصيني الروسي باعتباره بضاعة، كما أية بضاعة تنتجها شركاته.
بوتين اليوم يشتغل على مسألة واحدة، قد تكون محض شخصية، وهي:
ـ أن يرتفع نجمه في بلاده باعتباره “وريث القيصر”، لا استرسالاً لصنّاع البيروسترويكا.
ولهذا السب كانت “طاولة بوتين ـ ماكرون”.
ليس في الأمر أحجية تستدعي الكثير من التفكير.