بين ماكرون وأردوغان لابين النقاب والبكيني
لاماكرون يدافع عن القيم العلمانية، ولا أردوغان وصيّ على الإسلام وحامي حماه، غير أن الاستثمار في الدين، ليس جديدًا، فالاستثمار في الدِين (بكسر الدال) ، اكثر عائدًا من الاستثمار في الدَين (بفتح الدال)، وهو ما يتقنه الرئيس أردوغان وقد منحه الرئيس ماكرون الفرصة الذهبية لهذا الاستثمار.
الاستثمار في الدين أطلق الحروب الصليبية، كما الحروب الكنسية على اختلافها، والاستثمار في الدين حوّل الشعوب العربية الى الموقع المضاد للعصر.. الاول اجتثته ثورات متتالية قد يكون أهمها الثورة على الكنيسة وإسقاط صلة الكهنة عنها، أما الثاني فهو ينمو ويتقدم، وبات اليوم واحدًا من سمات عصرنا له ماله، وبنوكه، ومنظريه وسلاحه.
لا الأول من أجل إعلاء كلمة الله، ولا الثاني من اجل حفظ كتابه.. كلاهما لعبة من ألعاب الهيمنة، الاستبداد وبنتيجتهما القتل وهدر الدم.
أوروبا اليوم وبلا شك تعاني من الهجرات الإسلامية، وأردوغان يستخدم الهجرات كسلاح في وجه أوروبا، حتى أنه لايخلو من التهديد الصريح بالهجرة والمهاجرين:
ـ سأرمي المهاجرين في وجوهكم.
تلك استراتيجيته في ابتزاز أوربا وهو يخوض حروب شرق المتوسط بمواجة اليونان، فيما يخوض حرب أذربيجان بمواجهة روسيا، وفي واقع الحال، لا اليونان مسيحية ولا أروبا مسيحية.. كلتاهما بلدان رأسماليان، القيمة فيهما لقانون:
ـ دعه يعمل يعمل دعه يمر.
غير أن ثمة مشكلة فعلية تواجهها أوربا والمشكلة تختصر بما يمكن تسميته:
ـ حرب القيم.
القيم هنا ليست فيما تؤمن وفيما تعبد، بل هي قيم العمل أولاً وأخيرًا، وبالنتيجة ثمة مشاكل كبرى يواجهها المهاجرون وتواجهها الدول المضيفة أساسها قيم السوق:
ـ قيم االضريبة بمواجهة قيم العمل الأسود.
ـ قيم الحريات الشخصية بمواجهة قيم العقيدة.
ـ قيم حقوق الاسنان بتفرعاتها.
ماواجهته أوربا خلال السنوات العشر الأخيرة، كانت طفرة في قصة الهجرة والمهاجرين، فلا هي استقبلت المهاجرين بإرادتها، ولا المهارجون جاؤوها برغبتهم، فالقصة من أولها إلى آخرها هي منتوج الحروب وكان على حكام من طراز أردوغان (ومثله بشار الأسد) الاستثمار في المهاجرين.
مسؤولية أوروبا وكذلك الولايات المتحدة كانت، إنتاج، وحماية، ورعاية أنظمة مستبدة في العالم الإسلامي، ولا أحد فينا يشك بالرعاية الغربية لهذه الأنظمة، وكلنا يتذكر كيف صعدت هذه الأنظمة وأية مباركة أوروبية واجهت، لتطيح هذه الأنظمة بشعوبها لاحقًا والنتيجة:
ـ حروب أزقة، مزيد من الفقر والبطالة، ركوب الزوارق للنجاة من الموت أو النجاة من المجاعة.
هذه واحدة من المنتجات الأوربية التي كان عليها اليوم أن تقلع شوكها بأيديها.
على الجانب المقابل، كان الاستثمار في المهاجرين لابوصفهم بشراً، بل بوصفهم سلاحًا فتّاكّا كما الأسلحة القتالية، وواضح اليوم أن من أبرز االمستثمرين لموضوع المهاجرين كانت تركيا وبالمال القطري وعبر (الجمعيات الخيرية ) و ( المساجد) و (الغيتوات المتفرعة)، وفوق هذا وذاك بثقافة العنف التي تحرّض عليها وتنتجها لتنتج معها االكراهية، والكراهية تنتج في مقابلها كراهية أخرى، بما جعل المسألة الإسلامية مسألة قد يأتي يوم وتتحول إلى العنوان الأول في الصحف الدولية، وبما يسمح لها بأن تتحول إلى حروب أزقة ما بين مهاجر وابن بلد.
حتى اللحظة مازالت القصة بيد الدبلوماسية والحوارات االثقافية والتراشق الإعلامي وقليلاً بيد الأجهزة البوليسية، ولكن ماذا لو انتقلت الى الشارع حيث السكاكين بمواجهة السكاكين وبتحريض من إسلاميين من أيتام أردوغان، يقابلهم مسيحيون من إنتاج ثقافة النازية؟
ماذا لو تخطت الردود الأوروبية تلك السذاجة التي يتعامل معها ماكرون بقضية هي أبعد من (نقاب) واكثر من (بكيني)؟
القصة ليست في كآبة النقاب، ولا في إثارة البكيني.
القصة في الاستثمار في لحم الناس ومصائرهم.