أخر الأخبار

بين نيران تل أبيب وصواريخ طهران

نبيل الملحم

يقف العالم اليوم على قدم واحدة، مذهولًا، مرتجفًا، أمام مشهد طالما جرى التلويح به، وها هو يتحقق على الأرض: حرب إسرائيلية-إيرانية علنية، مباشرة، بلا وكلاء ولا وسطاء.

تل أبيب تحت القصف، وطهران تحت الرد. لا حديث عن “احتمال”، ولا تسريبات عن “ضربة محدودة” أو “عملية موضعية”. إنها الحرب، بكل تسمياتها الثقيلة.

ما يجري يكشف هشاشة معادلات الردع القديمة، فإسرائيل التي طالما اعتبرت إيران خصمًا يمكن احتواؤه عبر العقوبات، أو العمليات الاستخباراتية الدقيقة، وجدت نفسها اليوم أمام دولة تضرب عمقها بالصواريخ. ليس في غزة، بل من طهران ذاتها.

هذا التحول يرسم مأزقًا استراتيجيًا لإسرائيل:
ـ هل هي قادرة وحدها على مواجهة إيران؟
الجواب البسيط هو: لا. فإيران ليست حركة مقاومة محاصرة، بل دولة إقليمية تمتلك أدوات الرد، ومهما كانت القبضة العسكرية الإسرائيلية قوية، فإنها تضعف حين تُجر إلى حرب استنزاف شاملة، في أكثر من جبهة، وفي ظل مناخ دولي متوجس.

ويأتي السؤال:
هل تتدخل الولايات المتحدة؟
هذا هو السؤال الحاسم الذي يقف عليه العالم. واشنطن، رغم تحالفها التاريخي مع إسرائيل، تعيش اليوم في زمن مختلف. إنها ليست أمريكا ما بعد 11 سبتمبر، وليست أمريكا “حروب الشرق الأوسط الكبرى”. هي اليوم في لحظة انكفاء استراتيجي، وتردد تكتيكي، خاصة مع انشغالها بجبهة الصين-تايوان، فضلاً عن عدم رغبة البيت الأبيض في التورط في حرب جديدة.

لكن بالمقابل، ثمة حدود لهذا الانكفاء. فأمن إسرائيل جزء من عقيدة السياسة الخارجية الأميركية، لا يمكن التخلي عنه بسهولة. وقد تجد واشنطن نفسها مضطرة إلى التدخل، حتى وإن كان بشكل محدود – عبر ضربات نوعية أو دعم استخباراتي لوجستي – تجنبًا لانهيار الردع الإسرائيلي، وهو ما تعتبره خطًا أحمر.

أما السؤال اللاحق فهو:
هل فات أوان الحلول الدبلوماسية؟
ربما لم يفت، لكنه بات أقرب إلى الرماد. خطوط الاتصال الخلفية قد لا تكون مقطوعة بالكامل، لكن لا أحد ينصت وسط دوي الصواريخ. ومنطق الحرب حين ينطلق، لا يسير إلا وفق حسابات النار، لا التفاوض.

المؤسسات الدولية تظهر كأنها خارج المعادلة، والدبلوماسية الأوروبية تبدو مرتبكة، مشلولة، غير قادرة على الفعل، بل بالكاد أن تصيغ بياناً.

الحرب بين إسرائيل وإيران لم تعد مادة للتكهنات، بل واقع يرتسم بصور الخراب والموت.

العالم يقف اليوم على حافة هاوية، حيث كل الحسابات قابلة للانفجار، وكل
التوازنات قابلة للسقوط، وفي العودة إلى السؤال:

ـ هل ستتدخل أمريكا؟
في هذه اللحظة، يحتاج العالم إلى شيء واحد فقط: عقل بارد وسط هذا الجنون.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى