تحول في علاقة بغداد وطهران بعد المواجهة الأخيرة مع إسرائيل.. هل تراجع النفوذ الإيراني؟

مرصد مينا

تواصلت تداعيات المواجهة الأخيرة بين إيران وإسرائيل بآثار عميقة على المشهد السياسي والأمني في العراق. فقد شهدت البلاد خطوات وتغيرات تشير إلى احتمال تراجع نفوذ طهران، خاصة في ظل ما رافق الأزمة من صمت غير معتاد للفصائل المسلحة الموالية لإيران وتماسك مؤسسات الدولة.

توقيف محلل سياسي

في خطوة لافتة على الساحة العراقية، قامت السلطات العراقية مؤخراً بإيقاف المحلل السياسي عباس العرداوي، بعد نشره تدوينة وجه فيها اتهاماً مثيراً للجدل بأن رادارات عراقية تعاونت مع إسرائيل خلال الضربات التي استهدفت مواقع إيرانية.

هذا الحدث أثار نقاشاً واسعاً داخل العراق وخارجه، واعتبره مراقبون مؤشراً جديداً على احتمالية تراجع النفوذ الإيراني داخل البلاد، خصوصاً في ظل الصمت الذي أظهرته الفصائل المسلحة الموالية لإيران خلال المواجهة الأخيرة بين تل أبيب وطهران.

إدارة الأزمة بـ”مهارة وحرفية”

أكد الكاتب والباحث السياسي حمزة مصطفى في تصريح صحافي اليوم الجمعة، أن الحكومة العراقية تعاملت مع المواجهة بين إيران وإسرائيل بـ”حرفية وذكاء كبيرين”.

وأشار إلى أن بغداد اختارت سياسة “النأي بالنفس” عمداً لتجنب الانجرار إلى صراعات إقليمية واسعة، مؤكداً أن الحكومة أثبتت قدرتها على إدارة الأزمة بكل خيوطها.

وأوضح مصطفى أن الحكومة العراقية قامت باتصالات موسعة على المستويات الإقليمية والدولية، مؤكدة استقلالية العراق كلاعب فاعل في المنطقة، قادر على لعب دور الوسيط بدلاً من أن يكون ساحة للصراعات.

صمت الفصائل الموالية لإيران

لفت مصطفى إلى أن الفصائل المسلحة الموالية لإيران لم تكن حاضرة بشكل فعّال خلال الحرب، وهو ما يمثل سابقة منذ سنوات. فقد اقتصرت ردود الفعل على بيانات قليلة في البداية، تلتها فترة صمت طويل، ما يعكس ربما ضغوطاً داخلية أو توجيهات من طهران بعدم التصعيد.

وأشار إلى أن هذا الصمت منح الحكومة العراقية مساحة أكبر لإدارة الأزمة بشكل مستقل، ويعزز فرضية تراجع هيمنة “القرار غير الرسمي” أو النفوذ الإيراني على الدولة العراقية.

مراجعة المنظومات العسكرية والتقنية

تسبب الاتهام الموجه لرادارات الجيش العراقي بالتواطؤ مع إسرائيل في فتح نقاش واسع حول الجهوزية التقنية والعسكرية للقوات العراقية.

أكد مصطفى ضرورة إعادة النظر في منظومات الرصد والتسليح والتقنيات الإلكترونية التي تستخدمها القوات العراقية، لضمان قدرتها على التصدي لأي اختراقات محتملة.

وشدد على أهمية تطوير الجيش العراقي ليصبح قادراً على حماية الحدود والمصالح الوطنية دون تأثيرات خارجية، خاصة في ظل التطورات التقنية المتسارعة.

“تماسك مؤسسات الدولة”

يقول مصطفى إن القوى السياسية العراقية من مختلف الأطياف أعطت الحكومة تفويضاً كاملاً لإدارة المواجهة، بخلاف التجارب السابقة التي شهدت تدخلات حزبية تعرقل عمل السلطة التنفيذية.

وأضاف أن العالم أجمع تحدث مع الحكومة العراقية كممثل شرعي للبلاد، وليس مع زعماء أو فصائل مسلحة، وهذا مؤشر قوي على استعادة الدولة مكانتها.

وشدد على أهمية أن تستثمر الأحزاب السياسية هذه التجربة في الانتخابات القادمة، واختيار ممثلين يؤمنون بالدولة ومؤسساتها بعيداً عن الانقسامات الطائفية والجماعات.

إيران ما بعد المواجهة

أوضح مصطفى أن إيران، رغم استخدام صواريخ باليستية في ردها على إسرائيل، بدأت تظهر ميلها للتعامل مع العراق كدولة ذات سيادة وليس فقط كساحة لأذرعها المسلحة.

وأضاف أن “طهران تواصلت بشكل عقلاني مع بغداد خلال الأزمة، مما يشير إلى مرحلة جديدة في العلاقة بين البلدين”.

تشكّل المواجهة الأخيرة بين إيران وإسرائيل اختباراً حقيقياً للعراق، وقد نجح في تجاوزه بثقة. فغياب الفصائل المسلحة عن التصعيد، وتمكّن الحكومة من إدارة الأزمة، وتزايد الاعتراف الدولي بالدور المتوازن لبغداد، كل ذلك يمنح العراق فرصة حقيقية لإعادة تأسيس هويته كدولة ذات سيادة في منطقة ملتهبة.

مع ذلك، يبقى التحدي الأكبر هو قدرة الحكومة على تحويل هذه المكاسب المؤقتة إلى واقع دائم يجعل الدولة المرجعية الوحيدة داخل العراق، ويوقف التدخلات الخارجية أو أذرع النفوذ الإيرانية التي تقوّض سيادة العراق.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى