تعزيز ودعم عودة العراق عربيًا.. المملكة تواصل استعادة بغداد
مرصد مينا – هيئة التحرير
ما تزال مساعي المحور العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية باستعادة العراق من إيران إلى حضنه العربي الأصلي.. مستمرة
واتخذت إجراءات كثيرة ومتواصلة خلال الفترات الماضية لتعزيز تلك الخطوات في محاولة لموازنة النفوذ الإيرانية المتحكم في العراق وسحب البساط من تحت الأطراف الإقليمية التي تراهن على العراق في مواجهة التكتل العربي.
وتعددت الزيارات واللقاءات الثنائية التي ساهمت بدفع بغداد نحو محيطها العربي والخليجي بمبادرات سعودية مباشرة وغير مباشرة ضمن خطط تسعى لاستعادة الدور السياسي العربي والسعودي في العراق من بوابة الاقتصاد.
وفد سعودي في بغداد
سعيًا لرفع العلاقات الثنائية في ظل توجهات حكومة الكاظمي.. بدأ اليوم الأحد، وفد وزاري سعودي برئاسة وزير البيئة والمياه والزراعة المهندس عبد الرحمن الفضلي، بزيارة رسمية للعراق.
وذكرت وكالة الأنباء السعودية الرسمية “واس”، أن الوفد ضم وزير الصناعة والثروة المعدنية بندر بن إبراهيم الخريف، ووزير النقل المهندس صالح بن ناصر الجاسر، ومحافظ مؤسسة النقد العربي السعودي أحمد بن عبد الكريم الخليفي، ومحافظ الهيئة العامة للتجارة الخارجية عبد الرحمن بن أحمد الحربي، ورئيس الهيئة العامة للنقل رميح بن محمد الرميح، بالإضافة إلى ممثلين عن عدد من الوزارات والشركات السعودية في مختلف القطاعات.
حيث يلتقي الوفد السعودي خلال الزيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، ورئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي.
ستشهد الزيارة اجتماعات الجانبين بهدف بحث تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين في مختلف المجالات، مع عقد عدد من اللجان المنبثقة من مجلس التنسيق السعودي العراقي.. بهدف مناقشة التقدم في الموضوعات والأنشطة المرتبطة بأعماله وأبرز ما تم إنجازه والاتفاقيات الموقّعة بينهما في المجالات السياسية والاقتصادية كافة بما يسهم في الارتقاء بالعلاقات الثنائية.
ترحيب وحرص عراقي
نوّه وزير النفط العراقي إحسان عبد الجبار، على حرص حكومة بغداد على تعزيز العلاقات الثنائية مع السعودية في جميع المجالات، خصوصًا الصناعة والزراعة..
بالشكل الذي يخدم المصالح المشتركة للبلدين.. حيث لفت عبد الجبار إلى أنه لمس من الجانب السعودي رغبة حقيقة للتعاون وتقديم الدعم اللازم.
ويترأس وزير النفط الجانب العراقي على هامش انطلاق أعمال اللجنة السعودية العراقية في بغداد.. حيث قال في معرض تعليقه إن “هذا الاجتماع يأتي تواصلاً مع الاجتماعات السابقة بين الأشقاء، التي نهدف من خلالها لتفعيل مذكرات التفاهم على أرض الواقع، فضلاً عن تعزيز ذلك في مشاريع جديدة في مجال الربط الثنائي للكهرباء وصناعة البتروكيماويات واستثمار الغاز وغيرها، وقد لمسنا من الجانب السعودي رغبة حقيقة للتعاون وتقديم الدعم اللازم”.
أما رئيس الوفد السعودي، وزير الصناعة بندر بن ابراهيم الخريف فأشار إلى “أهمية تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين”، حيث عبّر عن أمله “في أن تفضى النقاشات الى مشاريع استثمارية مشتركة واعدة، في المجالات كافة”.
يذكر أن العراق والسعودية، شكّلا اللجنة الخاصة بين البلدين في يوليو الماضي، بهدف بحث الملفات الاقتصادية والاستثمارية.
سياقًا وبدوره، أكد وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، من خلال الدائرة التلفزيونية، “حرص بلاده على تطوير العلاقات واستدامتها مع الأشقاء بالعراق والعمل على الإسراع في تنفيذ مشاريع التعاون الثنائي في جميع المجالات”.
جولات وتحضيرات
جاءت زيارة الوفد السعودي في إطار الأعمال التحضيرية لانعقاد مجلس التنسيق السعودي العراقي في دورته الرابعة، تمهيدًا للاجتماع المرتقب بين الأمير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي.
في حين أشارت مصادر مقربة من حكومة الكاظمي وتسريبات خاصة – نقلتها “العين الإخبارية” – إلى جولة خليجية مرتقبة للكاظمي، تبدأ منتصف الشهر الحالي.. تشمل الجارتين الكويت والمملكة العربية السعودية.
مشاريع سابقة
عام 2019 وقعت وزارة الكهرباء العراقية اتفاقية مع هيئة الربط الخليجي لإنشاء خطين لنقل الطاقة الكهربائية الضغط الفائق (400) ك.ف، بطول 300 كيلومتر، 80 كيلومترا داخل العراق، و220 كيلومترا داخل دولة الكويت.. وسيكون خط الربط الأول مع السعودية تجاه البصرة؛ حيث سيزودها بنحو 500 ميغاواط، أما الخط الثاني تجاه محافظة السماوة ويزودها بنحو 300 ميغاواط. (يعاني العراق من أزمة كهرباء مستعصية على الحل منذ عام 2003 رام انفاق المليارات).
وأبدت واشنطن حينها، الدعم الكامل لمشروع يربط شبكات الكهرباء بين دول مجلس التعاون الخليجي والعراق، وقالت وزارة الخارجية الأمريكية، إنها ملتزمة بتسهيل هذا المشروع وتقديم الدعم عند الحاجة.
في شهر أغسطس آب الماضي.. كشفت وزارة الكهرباء العراقية، عن وصول الأعمال الفنية الخاصة بربط الشبكة الكهربائية مع السعودية إلى مراحل متقدمة.
وأكد حينها المتحدث باسم وزارة الكهرباء أحمد العبادي: “إن مشروع ربط الشبكة الكهربائية مع السعودية وصل لمراحل متقدمة، وربما قد يكتمل من الجانب العراقي في غضون أشهر قليلة”.
حيث أشار العبادي في تصريحات إعلامية حينها، أن “خط الربط الأول مع السعودية سيكون تجاه البصرة ويزودها بنحو 500 ميجاواط، والخط الثاني تجاه محافظة السماوة وسيتم تزويدها بنحو 300 ميجاواط، وهو ما يساعد على تقليل ساعات انقطاع التيار الكهربائي وتخفيف الضغط على محطات التوليد العراقية”.
عودة العلاقات
تسبب غزو العراق في عهد صدام حسين لدولة الكويت بشرخ كبير في العلاقات العراقية الخليجية، حيث سحبت المملكة سفارتها وقطعت علاقاتها الدبلوماسية مع بغداد منذ ذلك الوقت.. ليشهد عام 2015 استئناف العلاقات السياسية والاقتصادية عبر السفارة السعودية في العراق.. التي افتتحت في كانون أول ديسمبر 2015 بعد انقطاع 25 عام.. وأصبح ثامر السبهان أول سفير تعينه الرياض في العراق.
في شهر شباط فبراير 2017، قام وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، بزيارة بغداد.. في أول زيارة لوزير خارجية سعودي للعراق منذ 27 عام.
ليشهد شهر أيلول سبتمبر من نفس العام، إعادة فتح منفذي عرعر وجميمة الحدوديين مع السعودية في سبتمبر 2017م مع عيد الأضحى وفق إعلان سابق لوزير النقل العراقي حينها..
كما جرت إعادة تشغيل خط سكة الحديد بين السعودية والعراق، الأمر الذي سيعزز الحركة الاقتصادية بين البلدين، وبدأت حركة الطيران والسفن بشكل مباشر بين السعودية والعراق والتي توقفت منذ الغزو العراقي للكويت في آب أغسطس 1990م.
النقطة الدبلوماسية السعودية الأبرز شهدها يوم 30 تموز يوليو 2017.. حين استجاب الزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر، لدعوى رسمية له لزيارة السعودية “هي الأولى منذ أخر زيارة قام بها للرياض قبل 11 عامًا”.. حيث التقى بالأمير محمد بن سلمان، في جدة تم في اللقاء استعراض العلاقات السعودية العراقية، وعدد من المسائل ذات الاهتمام المشترك.
شهد شهر أبريل نيسان 2019، زيارة رئيس الوزراء العراقي “عادل عبد المهدي” للمملكة، حيث رافقه وفد كبير ومسؤولون حكوميون ونواب ومحافظون ومستشارون ورؤساء هيئات ورجال أعمال.. جرى فيها توقيع 13 اتفاقية ومذكرة تفاهم بين مختلف وزارات البلدين والتباحث في فتح المنافذ الحدودية.
مساعي الكاظمي
يحاول رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، بشكل تدريجي، تفكيك الهيمنة الإيرانية وإعادة نوع من التوازن في العلاقات الخارجية مع المحيط العربي وفق ما يراه مراقبون..
حيث أبدى رئيس الحكومة الحالية بشكل علني وصريح؛ رغبته في بناء علاقات متميزة تستند إلى الإرث العميق للروابط التاريخية التي تجمع العراق مع السعودية.
الكاظمي يعمل على تقديم نفسه شريكا للسعوديين وتأسيس تفاهمات تنهي مرحلة التقلب التي شهدتها العلاقات سابقا، ويضع حدّا لمساعي ميليشيات إيران وأذرعها التي تدفع إلى تفجير الأوضاع بين بغداد والرياض.
سبق أن صرّح الكاظمي بأن “السعودية شريك حقيقي للعراق الذي يتطلع إلى بناء علاقات متميزة بما يحقق مستقبلا أفضل للبلدين”.
وسبق أن أظهرت المملكة – في مناسبات عديدة – رغبتها في تقوية التعاون الاقتصادي بين البلدين، والعمل تحقيق التوازن في الإنتاج النفطي، بالشكل الذي يخفف العبء الاقتصادي عن العراق وتبعيته لإيران. (حدثت مكالمات واتصالات بين ولي العهد والكاظمي حول قرارات أوبك والتنسيق حول انتاج النفط)
تشير المتغيرات الأخيرة أن السياسة السعودية أمام اختبار دقيق لإعادة العراق إلى حاضنته الطبيعية، في ظل تغلغل ونفوذ الميليشيات والأحزاب سياسية التي تعلن وبكل صفاقة سياسية – تتجاوز وطنها – تعلن ولائها لإيران ومرشدها “علي خامنئي”، حيث تبدي رفضًا صريحًا أي تقارب عراقي مع السعودية.
إن التقارب السعودي العراقي يبعث حالة هيستيريا في إيران؛ الأمر الذي انعكس عمليًا من خلال تكثيف ميليشياتها لعمليات تخريبية تستهدف إرباك الكاظمي وعرقلة جهوده للانفتاح على الشريك السعودي وبناء مسار متكامل يحرر العراق من الهيمنة الإيرانية.
بين الرياض وطهران
في حين يرى مراقبون أن المملكة لا تزال متردّدة في الدخول في شراكة اقتصادية مع العراق ورصد أموال للاستثمار على أرضه خوفًا أن تذهب أموالها في جيوب جهات معادية لها.. مع استمرار نفوذ إيران وتحكّم قوى سياسية موالية لطهران بمفاصل الدولة العراقية.. في حالة تشابه تجربة الرياض مع لبنان حيث ظلت بيروت على مدى عقود تتلقّى مساعدات من المملكة، وكان حزب الله يستفيد منها بطريقة غير مباشرة.
من زاوية أخرى، يرى منتقدو الهواجس السعودية أن انسحاب المملكة من بعض الساحات العربية يفتح الباب للاعبين آخرين بينهم تركيا وإيران.
فرصة في الأزمة
يعمل النفوذ الإيراني عبر أذرع طهران وميليشياتها المتحكمة بمفاصل الدولة العراقية على منع أي تقارب عربي عراقي يعرقل خططها في ابتلاع العراق..
بدورها، ترى القيادة السعودية أن ترك الساحة العراقية خاوية لإيران شكل خطا استراتيجيا، حيث تظافرت مؤشرات تؤكد وجود رغبة سعودية فعلية في التدارك خصوصًا مع وصول رئيس وزراء عراقي لا يدور في الفلك الإيراني (الكاظمي).
وحاولت الرياض سابقًا تعزيز العلاقات.. لكنها اصطدمت بمعيقات عديدة لم تسمح بذلك، حيث أبدى معسكر الموالاة لطهران ممانعة شديدة لأي تقارب مستخدمًا نفوذه الكبير في الدولة العراقية، لكنّه بدأ يواجه صعوبات اليوم بسبب حالة الضعف التي تمرّ بها إيران.
بالإضافة إلى نقطة الانعطاف الأبرز مثلها غضب الشارع من الطبقة السياسية وفسادها وتراجع الوضع الاقتصادي والانزعاج من الهيمنة الإيرانية وأمل العراقيين باستعادة استقلال بلادهم، فاشتعل الشارع في انتفاضة شعبية لفتت اهتمام دول المنطقة، وعلى رأسها السعودية.
رهان ناجح
في ظل تردي المشهد الاقتصادي العراقي وتراجع مستوى المعيشة لمستويات مخيفة خصوصًا في مدن الجنوب التي تعتبر حاضنة القوى الموالية لإيران.. تعوّل العديد من المدن الشيعية الفقيرة في الوسط والجنوب الشيعي على الاستثمارات السعودية لإنقاذها من البؤس الذي تعيشه، رغم ما تمتلكه من ثروات هائلة من النفط.
واعتبر مراقبون أن أكثر ما تخافه إيران هو استثمارات سعودية ناجحة في العراق توفّر فرص العمل وتحرك الاقتصاد.
حيث تحاول طهران إبعاد شبان الشيعة في الوسط والجنوب من الاحتكاك بأيّ استثمارات عربية أو دولية ناجحة تجعلهم أحرارًا من الارتهان لطرق التجنيد المذهبي في ميليشيات طهران التي تستغل فقرهم وعوزهم لصالحها..
حيث يؤكد مختصون أن البؤس الذي تعيشه العديد من المناطق الشيعية في العراق مثالي للمشروع الإيراني، لأنه يسهّل عملية التجنيد ويحوّل العمل في ميليشيا طائفية مسلحة إلى مطلب كل شاب عاطل، ليؤمن مستلزمات حياة عائلته.
مؤخرًا.. ذكرت مصادر مطلعة – بحسب تقارير إعلامية – أن الرياض تخطط لإطلاق مشاريع زراعية ضخمة في 4 محافظات عراقية هي الأنبار والنجف والمثنّى والبصرة.
وعلّق خبراء – وفق ما نقلته صحيفة العرب – أن السعودية، تفند وتحطم الاتهامات التي يطلقها الإعلام العراقي التابع لإيرانحول بالإرهاب ومعاداة الشيعة، عبر اختيار 3 مناطق شيعية من أصل 4 كي تستثمر فيها أموالها، حيث من المتوقع أن تتوفر فرص عمل حقيقية وتتحرك عجلة الاقتصاد؛ في مكسب يضاف بمكاسب سياسية ضد إيران ونفوذها..
وأدركت إيران – فيما يظهر – خطورة المخطط السعودي على نفوذها.. فاستخدمت ميليشيا عصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي، لشن هجوم إعلامي واسع على المملكة، تحت ذريعة اتهامها بالتخطيط للاستيلاء على أراض واسعة ضمن أربع محافظات عراقية..
لكن اللافت أن الشارع الشيعي في العراق، لم يتحاوب مع الحملة المدعومة إيرانيا، بل طالب بتوسيع الاستثمارات الخارجية لإنقاذ البلاد من أزمتها المالية التي ورطتها فيها ميليشيات إيران وأحزابها.. في مؤشر على نجاح خطط الرياض، حيث بلغ فيه التنسيق بين بغداد والرياض مراحل متقدمة للغاية، استعدادا لبدء استثمارات سعودية في العراق بقيمة نحو 3 مليارات دولار، ستسهم في إنعاش اقتصاد البلاد وتوفر الآلاف من فرص العمل للعاطلين.