fbpx

تونس.. حصان قرطاج

في حدث قد يعتبر من الخوارق، مات رئيس عربي ودفن كما يليق بكرامة رئيس.. حدث ذلك في تونس، حيث خرجت جنازة القايد السبسي مسوّرة بالورد ونشيد الأحزان.. حدث في البلد العربي الوحيد الناجي من تداعيات “الربيع العربي” وقد تحوّل في بلدانه إلى زمهرير، وحصدت “ثورة الياسمين” التونسية بعض الياسمين، وهي البلد الذي ينمو فيها الياسمين بما هو أقل من ياسمين عاصمة كما دمشق التي أغرقت بالدماء حتى باتت نبتة الياسمين ثقيلة على أهلها.

اليوم، يذهب التوانسة إلى امتحان جديد، وعنوان الامتحان:
ـ من سيكون الرئيس المقبل لتونس، وقائمة المرشحين تحمل ليبراليين وقوميين ونساء وكذلك إسلاميين؟
اليوم، تونس بانتظار الماراتون الطويل إلى قصر قرطاج، وفي الماراتون حكوميون سابقون كما يوسف الشاهد رئيس وزراء تونس، وهو صاحب حزب صغير هو حزب الجمهورية، ورجال أعمال مرموقين كما سفيان بن ناصر من حركة نداء تونس، ورضا شرف الدين البرلماني البارز، وفي الماراتون سيدات أنيقات من بينهن وزيرة السياحة سلمى اللومي الرقيق، وهي الاخرى مرشحة لان تكون احدى ورقات نداء تونس ، ولابد أن للإسلاميين مرشحهم عبر حركة النهضة، ولن يكون الغنوشي حصانهم في السباق فكل التوقعات تشير إلى راشد الغنوشي قد خسر الكثير من الناحية الاستراتيجية والسياسية بعد أن اختار طريق مطار حمد في الدوحة لخلافة يوسف القرضاوي على رأس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وهو أمر أفقده ثقة عموم التوانسة بسبب تصريحاته وصورته المهتزة في الخيال الجمعي، وفي الاوساط المدنية والعلمانية والنسوية على وجه الخصوص، زيادة على أنّ حركة النهضة تعيش منذ فترة على وقع نوع من الهواجس والاكراهات التي فرضت عليها سياسة الانحناء في وجه العاصفة نتيجة المتغيرات الدولية والاقليمية المناهضة للاسلام السياسي.

التوانسة ليسوا قلقين، غير أن بعض منهم يطرح تخوّفاته من المال السياسي الذي ستلعبه “إمارة قطر” في دعمها لمرشح الاسلاميين الذي لم تضاء صورته بعد، كما يتخوفون من الدعم الإعلامي والسياسي التركي لمرشح الإسلاميين، غير أن هؤلاء المتخوفين يعودون إلى القول:

ـ تونس لن تخضع للرشاوي السياسية.

هؤلاء، يضيون كلامًا من نوع أن تونس كانت البلد العلماني الأول منذ عهد بورقيبة إلى اليوم، ففيها كان للمرأة حق الرجل، وهو أساس في الدولة المدنية المعاصرة، وحين نهضت فيها حركات أصولية، والتحق جزء من شبابها في الحركات الارهابية كما مجموعات من الشباب الذين ناصروا “داعش” وانتظموا في صفوفها في الحرب السورية، وكذلك في العراق، عادوا إلى تونس إما تائبين أو قتلى، ولن تتكرر الظاهرة الداعشية في بلد مثل تونس وهي بلد ممتد في المدنية والسلم الأهلي، وسيضاف إلى ذلك بعد سيكولوجي في الشخصية التونسية على وجه العموم، وهو البعد السلمي، بخلاف جارتها الليبية او الجزائرية، وكلتاهما يمتدان في الخشونة الاجتماعية على العكس من الشخصية التونسية، وكل ذلك يبشّر بأن الاسلاميين لن يكون لهم مكانًا فق قصر قرطاج، أي كانت مؤثرات الخارج، سواء القطري أو التركي..
ـ إذن من سيكون رئيس تونس المقبل؟

وفق الكثير من الاستطلاعات، ومن بينها استطلاع رأي للوموند الفرنسية، فالمرشح الأقوى لمنصب الرئاسة سيكون يوسف الشاهد ذو الـ 43 عامًا، والشاهد، حديث عهد في السياسة، غير أن تجربته القصيرة في رئاسة فريق الوزراء التوانسة خلال عهد الباجي السبسي، قد أنتجته كما يليق برجل يسكن قرطاج، فالشاهد، ووفق تقرير للوموند “تدرج في العمل السياسي من كيان صغير أسّسه بعد الثورة تحت مسمّى الحزب الجمهوري بمعية عبد العزيز بلخوجة وسليم العزابي وصولا إلى أن أضحى رقما صعبًا صلب حركة نداء تونس بعد أن ترأس مجموعة 13 قبيل مؤتمر سوسة في 2016، ومرورًا بتجربته في القطب الديمقراطي الحداثي في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي ثمّ الحزب الجمهوري بقيادة ميّة الجريبي ونجيب الشابي وياسين ابراهيم بعد عملية اندماج وانصهار في أعقاب نكسة أكتوبر 2011، تظهر عمليات سبر الاراء والواقع السياسي الحالي تقدمه نظريًا على العديد من المنافسين الافتراضيين وهو الذي نجح في تجميع طيف واسع من حوله من مختلف المشارب (سياسيون، برلمانيون، اعلاميون، أصحاب مؤسسات اقتصادية واستثمارية كبرى…) في معركة البقاء في السلطة فضلاً كونه ينحدر من عائلة أرستقراطية لها تاريخها السياسي والاجتماعي في تونس العاصمة، اذ يكفي هنا الاشارة إلى أنّه حفيد المناضلة راضية الحداد أوّل رئيسة للاتحاد الوطني للمرأة التونسية بعيد معركة التحرير الوطني”. هذا ما تقوله اللوموند، غير أن اللوموند وبعد كل هذا تعود لتطرح مخاوفها ، فالخوف كل الخوف من دعم الإسلاميين للشاهد، وتحديدًا، كل الخوف من أن يقوم الجناح القوي في حركة النهضة بمساندته للفوز بالانتخابات، وكذلك مساندة دول اقليمية مثل قطر، وعندها، لن يكون الشاهد في قصر قرطاج سوى قفاز للإسلاميين، وما أن يحدث ذلك حتى تنزلق تونس إلى بلد استبدادي، تسلطي وانتقائي، ويومها يصبح المثل التونسي الشعبي الشائع “ما يسبق للسوق كان الخضار” هو الأقرب لتوصيف الحصيلة الختامية لتجربة يلاحقها شبح مأساة تراجيدية؟

لا خوف على تونس من تونس.. كل الخوف على تونس ممن سيذهبون إلى صناعة القفازات الرئاسية بما يجعل تونس الرابحة اليوم، خاسرة في الغد، وربما ما بعد بعد الغد.

مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي

حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى