جبران باسيل وكلبه
لم يخل العالم من الدكتاتوريات يومًا، أما عن الدكتاتوريات فقد تنوعت بدءًا بمن فتح العالم وباتت بلاده بلا ضفاف، وكان من بينهم “جنكيز خان”، ومرورًا بدكتاتوريات لم يسعها سوى التعنّف على سكّان حارتها، ويوم يخطر لنا لبنان، فعلى ماحمل ممن إرث ديمقراطي انفرد به من بين مجموعة العالم العربي، لابد ويخطر لنا تلك الزعامات التي امتدت بالمال تارة، وبالقيم الوجدانية والثقافية طورًا آخر، وفي كلا الـ “التارة” و “الطور” تحوّلت إلى دكتاتوريات وإن بمساحات ضيقة، وبأدوات ضيّقة أيضًا.
كل ذلك وتبقى االمسألة هيّنة حين يُذكر اسم جبران باسيل، وقد استمد قوّته من المصاهرة أولاً، ومن بعدها القفز من فراش الزوجية إلى “التيار” ثانيًا، وهاهو اليوم يملك قدرة تعطيل بلد دون أن يمتلك أيّة قوّة للإنجاز بما فيها شق الطريق إلى قصر بعبدا، أقلّه وقد بات عبئًا على “حزب الله” حليفه ومرضعته.
آخر الأخبار، وهي أخبار تبعث على الضحك كما تؤكد التراجيديا اللبنانية أن جبران باسيل، في اجتماع المجلس السياسي الأخير للتيار، وبعدما عرض الأوضاع في ضوء توتر العلاقات مع “الحزب” أبلغ الحاضرين أنّه لن يترشح للرئاسة ولا بد أن يكون لدينا مرشّح نصوّت له لنتوقّف عن التصويت بالورقة البيضاء.
وطرح أربعة أسماء لم تلقَ التأييد إذ طالب بعضهم بترشيح أحد من التيار، فكان جواب باسيل بالرفض قائلاً: “أنا أو لا أحد”.
هو أو لا أحد، وقد عكّر أجواء الجلسة، وتبعته مناقشات حادة انتهت بعدما سحب باسيل الأسماء دون التصويت لاختيار أحدها. وعاد وأبلغ الحاضرين استمرار التصويت بالورقة البيضاء نزولاً عند رغبة الحزب وتجنّباً لقطع العلاقات معه لأنّ الحزب هو الحليف الوحيد للتيار والانفصال عنه يجعل التيّار وحيداً.
ومع أنّه خلافاً لما تردّد، فلم يعلن أحد انسحابه من التيار بل أكد الجميع الاستمرار في العمل داخل التيار، ولكن هذه الجلسة تركت تصدّعاً داخل التيار. ويتردّد أن أحد أركان التيار اجتمع مطوّلًا مع البطريرك الراعي من دون الكشف عن خلفيات الاجتماع.
وفي السياق نفسه، ينقل سياسي في 8 آذار مقرب من الضاحية معلومات مفادها أنّ “الحزب” لا يشجع على فكفكة التيار في هذه المرحلة ولا مصلحة له في إضعافه بوجه القوات، بل سيستمرّ في دعمه للإبقاء على التوازن السياسي لا سيّما داخل الشارع المسيحي وعدم ترك الساحة للقوات. لذلك يقول السياسي أنّ الحزب ليس في وارد سحب ودائعه من كتلة التيار بل سيعملان معاً لإنجاز الاستحقاق الرئاسي..
في المسألة أبعاد ثلاث:
دكتاتور لايشبه حصان جنكيز خان حتى.
“حزب” يحافظ على “حليف لاقيمة له”، أما الحزب فهو حزب الله، وأما الحليف فهو جبران باسيل.
الأهم من هذا وذاك “جنود التيار”، وقد التصقوا بمن استمرأ إهانتهم.
ثمة ما يذكّرنا بـ”سلاماتو” بطل رواية البير كامو “الغريب” وكلبه.. الكلب وصاحبه باتا متشابهين حتى يبدوان من فصيل واحد ومع ذلك متباغضبان.
الكلب ينظر إلى الرجل برعب، والرجل ينظر إلى كلبه بكراهية.