جريمة منظمة.. تجارة الفتيات تنشط بين جنوب تونس وليبيا
مرصد مينا- تونس
لم تعد ظاهرة او جريمة التهريب تقتصر على المواد والسلع بل باتت تطال البشر ايضا. فحسب مصادر خاصة، يوجد في المناطق الحدودية بين تونس وليبيا سماسرة، هم في الاصل مهربون يعملون على استئجار عناصر مسلحة تقوم بمرافقتهم أثناء دخولهم التراب التونسي وحمايتهم باستعمال السلاح.
ويعزز هذا التطور فرضيات سابقة عن احتمال نشوء عصابات بتحالف الارهاب مع الجريمة المنظمة ضمن شبكات تهريب معقدة ومتشعبة في المناطق الحدودية، معظم أعضائها من المتطرفين. وهو ما دفع تونس للقيام بتعزيزات عسكرية على الحدود مع ليبيا خاصة منذ تعرضها لاعتداءات إرهابية كان آخرها محاولة تنظيم الدولة في فجر السابع من مارس/ايار والسيطرة على مدينة بن قردان الحدودية واقامة امارة اسلامية في أعنف هجوم أدى الى مقتل 13 عنصرا من قوات الأمن والجيش وسبعة مدنيين وأكثر من 50 جهاديا منهم من قدم من ليبيا.
عصابات تحكم قبضتها على الجنوب
وتفيد المعطيات المتوفرة ان عصابات تونسية تحكم قبضتها على عدد من مناطق الجنوب التونسي وتتعامل مع عدد من الليبيين عبر تسهيل مرورهم الى تونس بصفة غير شرعية او عبر اعتماد المقايضة مع هؤلاء وذلك بربط علاقات بينهم وبين تونسيات مقابل اما اموال كثيرة او اسلحة. فبعض الليبيين يدفعون بسخاء الى تلك العصابات التي تتمركز في المناطق الحدودية الجنوبية، وكل ما يهمهم في الامر هو تحقيق مرادهم ونيل مبتغاهم. ولئن كنا نعتقد ان تلك العصابات تمثل شرذمة ضالة لا تمثل اهل الجنوب الكرماء والشرفاء، الا ان وجودها يبدو واقعا. فقد اكدت مصادر خاصة ان عددا من المنحرفين وقطاع الطرق الطامعين في الاموال والباحثين عن الثراء بأية وسيلة كانت حتى ولو على حساب مبادئ التونسيين وسمعتهم، فان ما يحدث في الجنوب التونسي من تجاوزات ومن تهريب وتعنيف وسمسرة لا تمت الى الشرف بصلة. بعض المنحرفين الذين لم يجدوا اي حزم من الحكومة للتصدي لهم ولردعهم استغلوا الانفلات الأمني والاجتماعي وعاثوا فيها فسادا.
سفروها بعقد عمل الى ليبيا فوجدت نفسها في وكر دعارة
وفي السياق ذاته فان احدى المتضررات من اعمال تلك العصابات المتضررة في قضية الحال بحثت كغيرها من الشباب على موطن شغل، عثرت على عرض شغل كان قد نشر على أعمدة احدى الصحف اليومية مفاده اعتزام مكتب مقاولات انتداب أشخاص للعمل في ليبيا وفي جميع الاختصاصات. وقد اتصلت المتضررة بمدير المكتب المزعوم وهو تونسي الجنسية واتفقت على إجراء مقابلة في الغرض. خلال الموعد المحدد تم إيهام المتضررة بتمكينها من عقد عمل لدى شخص ليبي له عدة مشاريع وتم الاتفاق على أن تسافر إلى ليبيا صحبة صاحب سيارة أجرة “لواج” وهو المتهم الثاني في القضية. ثم تسلم منها مبلغا ماليا قدره 150 دينارا (حوالي 50 دولار) كمقدم على عقد العمل على أن تلتزم كتابيا بدفع باقي المبلغ عند وصولها إلى ليبيا والعمل هناك.
وعند وصول المتضررة إلى ليبيا لاحظت أن المرافق الليبي سلم عمولة مالية إلى المتهم الثالث مما أثار شكوكها. وبعد مرور يومين فوجئت بوجود فتيات أخريات تونسيات وغيرهن. وباستفسارهن عن الأمر علمت أنه وقع الإيقاع بهن للعمل في ميدان الرذيلة. مع الإشارة إلى أنه وفور وصولها تم افتكاك جواز السفر وبقية وثائقها الرسمية. وتيقنت حينها انها وقعت بدورها في فخ التحيل. أمام رفض المتضررة للاندماج في عالم البغاء والخناء واصرارها على العودة إلى تونس جوبهت بالتهديد والابتزاز. وقد عثرت على جواز سفرها داخل سيارة بالصدفة فاحتفظت به وتمكنت من الهروب والعودة إلى تونس. إثر ذلك تقدمت بشكاية جزائية في الغرض وطالبت بتتبع المتهمين من أجل ما نسب إليهم من أفعال والزامهم بجبر الضرر المادي والمعنوي الحاصل لها.
ويمكن الجزم بان هذه الظاهرة تندرج في اطار الاتجار بالبشر. وبالنسبة إلى النساء فإن الاتجار بهن عادة يتم عن طريق إجبارهن على القيام بأعمال الدعارة رغما عنهن بشكل مباشر او عبر التمويه. على غرار ما تقوم به بعض الشركات الوهمية التي تنتدب فتيات بنية العمل كبائعات في محلات تجارية او أخصائيات تجميل في بعض المراكز في دول الخليج أو ليبيا أو لبنان وعند السفر يجدن أنفسهن في مواجهة مصيرهن المحتوم وهو العمل في الدعارة.
منظمات اجرامية
وظاهرة الإتجار بالبشر في تونس من أخطر الجرائم الكبرى التي تستغلها المنظمات الإجرامية عبر الشبكات الوطنية باعتبار أنّ عائداتها تصل إلى المليارات و ضحاياها كثر.
وبعض التونسيين سواء كانوا فتيانا أو فتيات يسافرون خارج تونس ويتم استغلالهم بأبشع الطرق سواء في المجال الجنسي أو المجال الاقتصادي، وبعض الفتيات يتلقين تكوينا في مكاتب موجودة في تونس سواء في الحلاقة أو الخياطة وبعد فترة التكوين التي يبدو أنها ليست إلا كاستينغ لاختيار الفتيات الجميلات يتم اقتراح عقود عمل في الخارج”، وبالتالي فان البعض ممن يبحثون عن عمل خارج تونس يجدون أنفسهم في وضع شبيه بالعبودية.
وحول هذا الموضوع اكدت رئيسة هيئة مكافحة الاتجار بالأشخاص روضة العبيدي على ضرورة مراجعة قوانين مكاتب التشغيل وإرساء آليات رقابة خاصة أمام تزايد عدد المكاتب التي تعمل بصفة غير قانونية والتي يرسل بعضها الشباب إلى الخارج بعقود عمل مزورة لتُفتكّ جوازات سفرهم ما إن يصلوا المطارات المعنية، مشيرة إلى انّ مثل هذه الحالات سجّلت في بلدان عربيّة. ودقّت رئيسة الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص ناقوس الخطر فيما يتعلّق بمكاتب التشغيل وحمّلت الدولة والحكومة المسؤولية، داعية إلى إيلاء هذا الموضوع أهمية عاجلة وأكيدة لمعرفة من يقف وراء هذه المكاتب. وأشارت إلى أنّ بعض الحالات التي تم تسفيرها عبر مكاتب تشغيل والتي وصفتها بالناجية حضرت إلى مقر الهيئة وروت شهادات مفزعة، معتبرة أن التصدي لظاهرة تسفير الشباب من أجل استغلالهم جنسيا أو اقتصاديا تحت غطاء العمل مسؤولية الإعلام والمجتمع المدني ومؤسسات الدولة.
وفيما يتعلق بحالات الاتجار بالأشخاص الأجانب في تونس، قالت روضة العبيدي إن الهيئة تعهّدت بحوالي 100 تشك خلال السنة الماضية لافتة إلى وجود عديد الجنسيات العربية والإفريقية سواء في الضحايا أو التجار.
العبيدي أضافت ان “بعض الاجانب يحلون بتونس على أساس أنّها منطقة عبور للتحوّل منها إلى الدول الأوروبية فيجدون انفسهم في تونس دون نقود أو أوراق وهي وضعية هشّة تسهّل الاستغلال. واكدت أن ضحايا كثيرات قدمن بالأساس من أجل الدراسة في الجامعات الخاصة أو بموجب عقد عمل لتُفتكّ أوراقهن ويتحولن من المطار مباشرة لخدمة إحدى العائلات في تونس بعد ان تكون قد دفعت الثمن لرئيس الشبكة”. وقالت ان بعض الضحايا فروا من منازل مستغلِيهم والتحقوا بمقر الهيئة حيث تم فورا الاتصال بوزارة الشؤون الاجتماعية لتوفر لهم السكن. ومن بين حالات الأجانب التي تعهدت بها الهيئة نفسيا واجتماعيا وصحيا، هناك ضحايا عبروا عن رغبتهم في العودة إلى بلدانهم”.
وتابعت بان أغلب الحالات وظّفت عليها معاليم قنصلية ومن بين 20 حالة أرادت الرجوع إلى بلدها تم إعفاءهم من المعاليم القنصلية بموجب الأمر الصادر في 26 سبتمبر 2017 بناء على قرار من الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص بعد أن وفرت منظمة الهجرة الدولية تذاكر السفر للراغبين في العودة إلى بلدانهم.