“جسور العودة”: قافلة مهجّرين تعود إلى غوطة دمشق بعد سنوات التهجير القسري

مرصد مينا
عادت دفعة كبيرة من المهجّرين السوريين، أمس الخميس، إلى بلدتهم جسرين في غوطة دمشق الشرقية، بعد تهجير قسري دام أكثر من سبع سنوات فرضه نظام بشار الأسد المخلوع.
القافلة التي حملت اسم “جسور العودة” ضمّت نحو 650 شخصاً، وغادرت من مدينة عفرين بريف حلب الشمالي، حيث عاشوا سنوات من النزوح والمعاناة.
تُعدّ هذه القافلة هي الأكبر من نوعها منذ سقوط النظام في ديسمبر 2024، وتُجسّد إصرار المهجّرين على العودة إلى أرضهم وطيّ صفحة التهجير القسري، رغم كل ما يحيط بواقعهم من دمار وفقر وتحديات معيشية.
استقبال احتفالي: أعلام، عراضات شامية، ودموع الفرح
استُقبلت القافلة بحشد شعبي كبير عند مدخل البلدة، حيث نظّم أهالي جسرين وفريق “ملهم” التطوعي استقبالاً احتفالياً شمل عراضة شامية، موسيقى وهتافات، وتوزيع قطع الحلوى.
وشارك العشرات من الشبان برفع العلم السوري الجديد، وظهر عناصر من قوى الأمن الداخلي وقد وضعوا وروداً حمراء في فوهات بنادقهم تعبيراً عن الفرح.
المشهد الإنساني طغى على كل شيء، إذ لم ينتظر العائدون حتى توقّف الحافلات، بل بدأوا بالنزول وهم على الطريق، وتعانقوا مع المستقبلين وسط دموع غزيرة ومواقف مؤثرة، فيما سُجّلت حالات تدافع للوصول إلى الأقارب والأحبة وسط الزحام.
ظروف معيشية صعبة بانتظارهم
ويشكل النساء والأطفال غالبية العائدين، إلى جانب بعض كبار السن والشباب، في حين أُشير إلى أن أغلب العائلات تعاني أوضاعاً مادية صعبة، ولا تزال منازلها إما مدمّرة أو بحاجة إلى ترميم.
فريق “ملهم” التطوعي تكفّل بكامل نفقات نقل القافلة، وبعض العائلات ستقيم مؤقتاً لدى أقاربها، بينما سيسكن آخرون في شقق “على العظم” بانتظار تحسين أوضاعهم.
وأكد مدير الفريق في دمشق، أحمد أبو شعر، أن دعمهم للعائدين “هو أقل ما يمكن تقديمه لهم بعد سنوات من المعاناة والكرامة المهدورة”.
قصص من العودة: حلم تحقق رغم كل شيء
الشاب ملهم فايز درويش، أحد العائدين، تحدث عن مشاعره وهو يحمل طفله الصغير وزوجته إلى جانبه، قائلاً: “الفرحة لا توصف… كنا في الشمال نتنقل بين بيوت وخيام، وعشنا القصف والحرمان، واليوم نعود مرفوعي الرأس”.
وسيقيم درويش مؤقتاً في منزل جده، بانتظار أن يتمكن من ترميم منزله المدمّر والمُعفّش.
ووفق مصادر محلية، فإن عدد العائلات العائدة في القافلة يتراوح بين 104 و132 عائلة، في ظل تضارب في الأرقام الرسمية، لكن المؤكد أن العودة تمت بجهود أهلية وتنسيق مع الجهات الثورية المحلية.
الغوطة… ذاكرة الثورة والحصار والتهجير القسري
تُعد غوطة دمشق الشرقية من أوائل المناطق التي انتفضت ضد نظام الأسد في مارس 2011، وسرعان ما أصبحت معقلاً رئيسياً لفصائل الثورة السورية.
لكن النظام وحلفاءه حاصروها بشكل خانق، وشنّوا عليها هجمات شرسة استخدموا فيها الأسلحة الكيميائية في صيف 2023، ما أسفر عن سقوط آلاف الضحايا.
وفي ربيع عام 2018، سقطت الغوطة بعد حملة عسكرية دموية للنظام المخلوع بمشاركة جوية روسية وميليشيات إيرانية على الأرض، أعقبتها عمليات تهجير جماعي شملت آلاف العائلات إلى شمال سوريا.
ووفق المصادر، فإن نحو 460 عائلة هجّرت من بلدة جسرين وحدها، بينما عاد منها 200 عائلة تقريباً منذ إسقاط النظام في أواخر عام 2024، بجهود ذاتية أو بدعم من المبادرات الأهلية.