fbpx
أخر الأخبار

حتى الإسرائيليين لا يعرفون؟!

زاوية مينا

منذ نحو أسبوع والفلسطينيون يحاولون فهم غاية حملة “بأس وسيف” وأساساً إذا كانت محدودة تستهدف تليين مواقف حماس لتسمح بتحرير مخطوفين أم أنها بداية خطة واسعة هدفها السيطرة على القطاع.

من الضروري للجمهور الإسرائيلي أيضاً أن يكون يقظاً لهذه المعضلة، فيطرح أسئلة ثاقبة في المسألة على الانعطافة الدراماتيكية التي ستؤثر على حياتنا لسنوات طويلة.

الضبابية والغموض من جانب أصحاب القرار، وإلى جانبهم تلميحات ينثرها وزير الدفاع تبعث على القلق. أولاً، الإعلان بأن إسرائيل تعتزم الاستيلاء على مزيد من الأراضي الفلسطينية وضمها إلى إسرائيل، هو تعبير عن شعار متآكل ترسخ في الخطاب الإسرائيلي وبموجبه، العربي لا يفهم إلا حين تؤخذ الأرض منه”.

لم ينجح هذا في حرب الأيام الستة، ويقف خلف هذا القول تفكير مركب وذاكرة تاريخية. يحتدم الاشتباه بأن الحديث يدور عن تمويه حقيقي للهدف الأيديولوجي المتمثل بالضم الذي يعلنه كبار مسؤولين في الحكومة تحت غطاء “عقيدة استراتيجية واعية”.

وثمة رضى عن أن الجيش لا يعارض هذه المرة فكرة توزيع المساعدات الإنسانية مباشرة للفلسطينيين، التي معناها العملي إقامة حكم عسكري مسؤول عن سكان مدنيين. ما لم يدخل الجيش إلى عمق المجال المديني، فهو ليس مطالباً بهذه المهمة، لكن إذا ما تحققت مناورة برية كهذه، فمن الضروري تنفيذ الأمر فوراً.

هذه هي المرحلة التي سينشأ فيها احتكاك عسكري شديد مع حماس التي تتمترس في عمق المجال المديني وتنتظر قوات الجيش الإسرائيلي.

التلميح الثاني يرتبط بإقامة “مديرية الهجرة الطوعية” في وزارة الدفاع. في هذه الحالة، يتعزز انطباع بأن قوة الخيالات أقوى من السياسة الواعية في إسرائيل اليوم، الأمر الذي انتهى بكوارث على مدى التاريخ.

كل الدول العربية ترفض الفكرة (وعلى رأسها السعودية التي توضح بأنه لا تطبيع مع خطة كهذه)، كل التقارير حول الدول التي يزعم بأنها وافقت على استيعاب فلسطينيين في أراضيها تبينت كأنباء ملفقة (ألبانيا، مصر، السودان وغيرها)، وتحدث ويتكوف في المقابلة موضع الحديث في نهاية الأسبوع، عن إعمار غزة لكنه لم يعد يتحدث عن نقل السكان أو عن ريفييرا البحر المتوسط.

في الخلفية تتواصل “تجربة علمية” تجري منذ 7 أكتوبر حول فرضية تفيد بأن المزيد من الضغط العسكري سيلين مواقف حماس ويلزم المنظمة بتحرير المخطوفين، وربما لاحقاً ترك غزة أو نزع السلاح. إن التمسك بهذا النهج يتاح في ضوء “ذاكرة السمكة الذهبية للإسرائيليين بأن هذه التجربة فشلت مرات لا تحصى”.

الأمر أساساً يشهد على عدم فهم عميق ومتواصل من جانب القيادة في إسرائيل لطبيعة حماس: منظمة من ناحيتها يمكن التضحية بكل سكان غزة وتخريب المنطقة، لكنها لن تقدم تنازلات في المواضيع الجوهرية.

إن العاصفة حول تنحية رئيس “الشاباك” والمستشارة القانونية تحتل الخطاب الإسرائيلي وتصعب الشروع بخطاب معمق حول التداعيات الاستراتيجية للمعركة في غزة، وهو بحث يلفه غموض واضح بين أصحاب القرار. كدرس من انهيار مفهوم 7 أكتوبر، بات الجمهور الإسرائيلي ملزماً بطرح أسئلة ثاقبة، وباتخاذ نهج نقدي، وعليه الآن أن يتخيل كيف يبدو احتلال كل غزة. مثل هذه الخطوة ستضر بحماس بشدة، لكنها ستنطوي على تنازل عن المخطوفين في سيناريو حرب شاملة.

هذا فضلاً عن أثمان مثل هذه الخطوة: فرز قوات كبيرة، قسم كبير منها احتياط، لغرض السيطرة والمكوث في غزة، الذي سيكون مفعماً بالعنف مثلما في حالة الأمريكيين في العراق؛ والثمن الاقتصادي الباهظ الذي سيحتاجه حكم عسكري مسؤول عن نحو مليوني فلسطيني؛ وبالطبع ضياع التطبيع مع السعودية.

كل هذا والمجتمع الإسرائيلي مفعم بالصدوع التي من المتوقع أن تتعمق خصوصاً مع جهود لإقامة مستوطنات إسرائيلية في المنطقة تضاف للسيطرة على القطاع.

في المدى البعيد، وللقضاء على حماس التي هي عدو مرير وأبدي، ستكون إسرائيل ملزمة بالسيطرة على كل القطاع والبقاء فيه لفترة زمنية غير واضحة، إلى أن ينشأ فيه بديل محلي مستقر. لكن الأمر لن يتم في هذه اللحظة، حين يكون الهدف المركزي اللازم والمعقول هو تحرير المخطوفين، حتى بالثمن الباهظ لإنهاء القتال.

إن تقويض حماس سيتطلب من القيادة بلورة خطط مرتبة (لم تكن قائمة حتى 7 أكتوبر وليس واضحاً لنا نحن الجمهور، إذا كانت موجودة)، تحظى بتأييد واسع من الداخل والخارج، وأساساً تكون نظيفة من بقايا المفهوم المغلوط.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى