أخر الأخبار

حربٌ بلا توقيع.. هل تُزَجّ حدود لبنان الشرقية في معركة بالوكالة؟

نبيل الملحم

على غير العادة، لا تقرع طبول الحرب في لبنان هذه المرة من جهة الجنوب، ولا تظهر إسرائيل كمن يشهر السلاح أولاً.. ثمة شيء يتشكل على الحدود الشرقية، لا يحمل شعار جيش، ولا بصمات دولة، لكنه يحمل مقاتلين من الشيشان والإيغور وأوزبكستان وأماكن أخرى، ويقف تحت رايات جهادية طالما قاتلت في سوريا تحت لواء “هيئة تحرير الشام” أو غيرها من التشكيلات.

المشهد ليس طارئاً.. التحركات، وفق ما ترشح من معلومات ميدانية وتسريبات دبلوماسية، تتجاوز مجرد وجود خلايا نائمة أو وحدات تدريب.. نحن أمام حشود قوامها الآلاف، يجري إعدادها لخوض مواجهة مباشرة ضد حزب الشيعة اللبنانيين، تحت يافطة “الاشتباك مع حزب الله”، ولكن بأجندة غير لبنانية بالكامل.

الذين يقاتلون باسم العقيدة، يُدفعون غالبًا إلى معارك لا يفهمون خفاياها، وربما لا تعنيهم في جوهرها، فـ”تحرير الشام” ليست اليوم سوى وكيل لحسابات دولية متشابكة، ويبدو أن ثمة من قرر أن تصفية هذه الجماعات أو على الأقل “استنزافها” هو الخيار الأمثل قبل أن تعود إلى بلدانها الأصلية، حاملة معها خبرات قتالية وعقائد متطرفة.

هكذا تفكر موسكو، التي لم تنسَ بعد صدمة الشيشان، وهكذا تفكر بكين التي ترى في عودة الإيغور خطرًا داخليًا محدقًا، بل إن بعض العواصم العربية، التي موّلت وسلّحت سابقًا، لا تمانع أن تُطوى هذه الصفحة بالدم، ما دامت ستُطوى بعيدًا عن أراضيها.

حتى دمشق الجديدة، بوجهها المرمّم بقيادة الرئيس أحمد الشرع، تبدو وكأنها وجدت في هذه الحشود فرصة “للتخلّص من الحلفاء القدامى”، أولئك الذين قاتلوا تحت راية “الثورة” ثم وجدوا أنفسهم خارج الحسابات، لا هم انتصروا ولا هم عادوا إلى ديارهم.

لكن من يربح فعلاً؟

الإجابة الأقرب إلى المنطق.: ـ إسرائيل

للمفارقة، هي الغائب الحاضر في هذا السيناريو.. لا تطلق النار، لكنها تُسرّ بتوجيه البنادق نحو حزب الله من جهة لا تحمل نجمة داوود، فإن انهزم الحزب، تكون تل أبيب قد حققت نصرًا استراتيجيًا بلا كلفة، وإن استنزفته المعركة، فهي رابحة أيضًا. أما لبنان، فقد يُدفع إلى حرب أهلية مبطّنة، بأدوات خارجية ووقود داخلي.

المعركة المُحتملة لن تكون ضد مشروع سياسي، بل ضد “طائفة” أو “بيئة”، وهذا ما يُنذر بتحول الصراع من جبهة حزبية إلى فتنة اجتماعية، يسهل إذكاؤها ويصعب إطفاؤها، والسؤال:

هل هناك من يملك رفاهية منعها؟

في عالم تقوده الحسابات لا المبادئ، لا شيء مستبعد.. تُصنع الحروب أحيانًا لا لإحراز نصر، بل لمنع عودة المقاتلين إلى بلدانهم، ولتصفية الحسابات القديمة، وتُفتَح الجبهات أحيانًا فقط لأن بقاءها مغلقة مكلف سياسيًا أكثر.

لبنان -كعادته- مرشّح ليكون ساحة لتصفيات إقليمية بلا إعلان رسمي، وفي حال اندلاع النار، لن يهم كثيرًا من أشعل عود الثقاب، بقدر ما سيهم من سيتم دفنه تحت الركام.

ـ أي كان الخاسر فإسرائيل ستكون الرابحة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى