حكم 24 سنة، وسقط بـ 24 ساعة، ولم يبكه أحد
زاوية مينا
ليس قاتلاً ومجرماً مريضاً فحسب، هو في محدوديته وبؤس ثقافته أكثر من أضاع على نفسه الفرص، فحين وصل إلى الرئاسة، وصلها دون صرخة واحدة في وجهه أو اعتراضاً من قوّة أو مجموعة أو فرد، فالبلد مُصمَمَة على الخوف، والخوف من سطوة أبيه استمرت وقد تحوّل الأب إلى جثة.
استقبله السوريون باعتباره شاب سينتشل السلطة من شيخوختها، وراهن الكثيرون على تحولات ديمقراطية ستشهدها البلاد على يديه، كما راهنوا على تجديد الاقتصاد السوري بما يسمح بالانفتاح على الاقتصادات العالمية ونزع إدارة الاقتصاد الوطني من أيدي بيرقراط فاسد ومترهل..
راهن الكثيرون على إطلاق حياة سياسية جديدة للبلاد تسمح بالتعدد السياسي، بما لا يبقي قبضة البعث واديولوجية الرعاع.
وكلها رهانات خابت.
راهن الكثيرون على هداياه، ومن بين ما توقعونه أن يهدي المجتمع “عفواً” عن المساجين السياسيين.
راهنوا أن يخرج من تحالفات قاتلة للبلاد.
رهانات خاسرة ومخسرة.
ما من رهان أصاب وقد حكم لمدة 24 سنة أي ثلاثة أضعاف مدة حكم أي رئيس للولايات المتحدة الأمريكية.
بديلاً عن العفو العام، وتفريغ السجون، أحدث العشرات من السجون الوليدة والجديدة، من يدخلها مفقود، ومن يخرج منها مولود.. لم يعمّر جسراً، ولا ستاد رياضة، ولا صالة مسرح، أشاد من السجون ما يكفي لعشرات السنين من تكاثر السكّان الذين سيكونون نزلاء سجونه.
بديلاً عن ترميم الاقتصاد وانتزاعه من يد البيرقراط الفاسد، استولى على قطاع الدولة ومنحه لأوليغارشا اكثر فساداً وأوسع سطوة.
بديلاً عن انتشال الطبقات الفقيرة والمعوزة من سكان هوامش المدن والأرياف، أجهز كلياً على الطبقة الوسطى فاستأثر وعائلته بالموارد، ولم يشارك سوى الفاسدين في الداخل والخارج.
بديلاً عن إطلاق الحريات العامة قيّد الصحافة، وكمم الأفواه، وضاعف سطوة الاستخبارات عما كان حالها في ظل سلطة والده التي كان السوريون يظنونها الأكثر بشاعة وعنفاً.
حكم البلاد تحت شعار “الأسد أو نحرق البلد” فصدق في وعده هذا، وهو الوعد الوحيد الذي صدق به.
وانهالت عليه الفرص.. كل أسباب النجاة منذ 2011 قدمت له وصولاً لاستعادة مقعده في جامعة الدول العربية، مروراً بمواقف غربية رخوة تجاه تعدياته التي طالت كل ما يتصل بالإنسان وحقوق الإنسان، وكانت تجارب الآخرين أمام عينه وبصره:
ـ سقط القذافي بأبشع مصير .. ولم يتعلم أو يرى.
سقط مبارك وزين العابدين، ومن قبلهما صدام حسين، ولم يتعلم أو يرى.
لم يغير ولم يتغير، وكل ما أتقنه كان:
ـ الكذب على حلفائه، وخيانة منقذيه، والمزيد من السطو على خبز وكرامة شعبه، وكانت النتيجة أنه حكم 24 سنة، ليسقط في 24 ساعة دون أن يبكيه أحد.
الكل ينتظر.. ما الذي ينتظره الكل؟
ينتظر استعادته من موسكو للمحاكمة، ولابد سيستعاد.. فلاديمير بوتين الذي اشتراه سيبيعه.