حكومة الأردن الجديدة .. توازنات دقيقة وتحديات مهمة
مرصد مينا – الاردن
قدمت حكومة عمر الرزاز، استقالتها للملك عبد الله الثاني ليجري تكليف الدبلوماسي والوزير السابق، بشر الخصاونة، بتشكيل الحكومة الجديدة التي قامت يوم الاثنين الماضي، بأداء اليمين الدستورية أمام العاهل الأردني.
حلّ العاهل الأردني في 27 أيلول سبتمبر الماضي، مجلس النواب الحالي تمهيدًا لإجراء انتخابات تشريعية في العاشر من نوفمبر تشرين ثاني المقبل مع إنقضاء أربع سنوات من عمر المجلس الحالي، حيث تتم الانتخابات وفق الدستور مرة واحدة كل أربع سنوات.
يذكر أن الفقرة الثانية من المادة الرابعة والسبعين من الدستور الأردني، توجب على الحكومة تقديم استقالتها خلال أسبوع من تاريخ الحل ولا يجوز تكليف رئيسها تشكيل الحكومة التي تليها.
ضمت تشكيلة حكومة الخصاونة الجديدة 31 وزيرًا بينهم ثلاث نساء، ثمانية وزراء من الحكومة السابقة، (حكومة الرزاز) التي استقالت مطلع الشهر الحالي بعد انتهاء ولايتها.
أدى أعضاء الحكومة اليمين الدستورية أمام العاهل الأردني في قصر رغدان في عمان ظهر الاثنين، باستثناء وزيرين يخضعان للحجر الصحي، وفق بيان الديوان الملكي الذي نقلته وكالته فرانس برس.
سياسي مخضرم
الخصاونة، دبلوماسي وقانوني صاحب51 عامًا.. فهو بذلك أصغر رؤساء الوزراء سنًا في الأردن.
يمتلك خبرات سابقة وتجارب مهمة قد تكون مهدت لاستلامه حكومة الأردن، حيث شغل الخصاونة منصب مستشار الملك لشؤون الاتصال والتنسيق منذ نيسان أبريل 2019 حتى 17 آب أغسطس الماضي، ليتولى منصب مستشار الملك للسياسات في الديوان الملكي الهاشمي.
كما استلم منصب وزير دولة للشؤون الخارجية بين العامين 2016 و2017، ووزير دولة للشؤون القانونية بين 2017 و2018.. وكان مندوبًا دائمًا للمملكة في جامعة الدول العربية وسفيرًا في مصر وكينيا واثيوبيا.
في التعليم الأكاديمي يحمل الخصاونة دكتوراه في القانون من “لندن سكول أوف إيكونومكس” وماجستير في العلاقات الدولية والدبلوماسية والاقتصاد من كلية “سواس” في جامعة لندن.. كذلك يحمل ماجستير في القانون الدولي من “لندن سكول أوف إيكونومكس”.
تحديات مهمة
يعيش الأردن انعكاسات النزاعات في دول الجوار العراق وسوريا، بالإضافة لصعوبة أوضاع الاقتصاد التي ضاعفتها جائحة كوفيد -19 ومع حجم ديون مرتفع تجاوز مؤخرًا أربعين مليار دولار..
حيث يعتمد اقتصاد المملكة بشكل كبير على المساعدات وخصوصًا من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول الخليج.
أزمة اللاجئين تلقي بظلالها على المشهد الأردني، حيث تستضيف المملكة الهاشمية 1.3 مليون لاجئ سوري، وتصر تقارير رسمية أن كلفة ذلك فاقت عشرة مليارات دولار.
خالد شنيكات، الرئيس السابق لـ “الجمعية الأردنية للعلوم السياسية” خالد شنيكات، في تصريحات إعلامية إن التشكيلة لم تتجاوز في إطار تشكيلها عن التقليد الثابت لاختيار أعضاء الحكومات الأردنية السابقة.. حيث يشار – والكلام لـ شنيكات – أنه “يمكن أن يطلق وصف حكومة تكنوقراط على حكومة الخصاونة، فمعظم الوزراء تكنوقراط متخصصون، وليسوا سياسيين يرتبطون باتجاهات سياسية معينة.. فمثلًا، وزير الصحة شخص مختص بالوبائيات، وحقيبة الخارجية بقيت بيد أيمن الصفدي، وهو بدوره تنفيذي أكثر مما هو راسم للسياسات، فالسياسة الخارجية يرسمها بشكل أساسي الملك”.
كما يرى شنيكات أن “استمرار موسى المعايطة وزيرًا للتنمية السياسية والبرلمانية منذ سنوات في موقعه مؤشر على عدم وجود تغير تجاه الإصلاح السياسي في البلاد، وإبقاء الأمور كما هي دون تغيير”.
كما لفت شنيكات أن “رئيس الحكومة، وهو الدبلوماسي المخضرم، مال إلى تعيين عدد من أعضاء السلك الدبلوماسي وزراء في حكومته، سواء كانوا سفراء سابقين أو حاليين، إضافة إلى أن عدداً من الوزراء من حكومة الرزاز، أو حكومات سابقة”.
ليطلق شنيكات تعليقًا أن “الحكومة الحالية لن تحقق اختراقًا واضحًا وتغيرًا كبيرًا في النهج، فطريقة التشكيل تقليدية، وعدد كبير منهم وزراء سابقون”.
لافتاً إلى أن “التغيير الذي قد يحصل سيكون بسيطاً وغير جوهري، ومرتبطاً بإدارة بعض الوزراء لمسؤولياتهم بشكل مختلف، وبدون تغيير يعوَّل عليه”.
إلى ذلك ..تظهر مؤشرات متتالية أن المهمة صعبة أمام الخصاونة، في ظلّ التحديات التي تعيشها المملكة من ازدياد ضحايا جائحة فيروس كورونا، مع ارتفاع معدل البطالة الذي بلغ 23 في المائة، فضلاً عن مديونية يزيد حجمها على 45 مليار دولار، فيما نسبة الفقراء لا تقلّ عن 15 في المائة من السكان.
كذلك ما زال الاحتقان منذ أزمة الحكومة مع نقابة المعلمين مستمراً.. كل ذلك، في وقت تعدّ فيه القدرات لدى الحكومة محدودة، في حين ترتفع مؤشرات التفاؤل لدى المواطنين.
يعتقد شنيكات أن “الحكومة الحالية لن تحقق اختراقا واضحا وتغيرا كبيرا في النهج، فطريقة التشكيل تقليدية، وعدد كبير منهم وزراء سابقون”
لكن الملف الاصعب حاليًا هو ملف فيروس كورونا، الذي يفرض نفسه على مختلف مناحي الحياة في المملكة، وأهمها الآثار الصحية، كارتفاع أعداد الوفيات، والإصابات بالمئات، وتراجع الخدمات الصحية، وسط توقعات أحسن تدبير للحكومة لأزمة كورونا من شأنه أن يمنحها هدنة للتعامل مع القضايا الأخرى، بعيدًا عن السخط الشعبي (الانتقادات طالت التعليم في ظل زمن كورونا.. وليس الجوانب الصحية).
كواليس الحكومة
جرى تعيين ثلاثة نواب لرئيس الوزراء، في حين بقي محمد العسعس وزيرا للمالية.. أما أيمن الصفدي بحقيبة وزارة الخارجية..واحتفظت وزيرة الطاقة هالة زواتي، بحقيبتها.
كما استلم حقيبة الداخلية مدير قوات الدرك سابقًا، توفيق الحلالمة، ليحل مكان وزير الداخلية السابق سلامة حماد.
السفير الأردني في القاهرة، علي العايد، جرى تعينه وزيرا لشؤون الإعلام بدلًا من أمجد العضايلة. (سبق للعايد ان كان وزيرا للدولة لشؤون الإعلام 2010-2011 وسفيرا للمملكة لدى إسرائيل 2006-2010)
اللافت كان ابعاد اسم وزير الصحة سعد جابر عن التشكيلة الحكومية الجديدة، فقد ذهبت حقيبة الصحة لـ “نذير عبيدات” الناطق باسم اللجنة الوطنية للأوبئة.
أما الخبير الاقتصادي، معن قطامين، عُيّن وزيرًا للعمل ووزير دولة لشؤون الإستثمار.
وعاد نايف حميدي الفايز ليشغل منصب وزير السياحة والآثار بعدما شغل هذا المنصب في حكومات سابقة.
وضمن الحكومة الجديدة ثمانية وزراء من حكومة الرزاز الذي استقال في الثالث من الشهر الحالي.
حكومات سابقة
شهد حكم الملك عبد الله الثاني منذ 7 شباط فبراير عام 1999، تبدل 12 رئيس وزراء شكلوا 18 حكومة..
فكان عبد الله النسور هو أكثر رؤساء الوزراء استمرارًا بـ 1326 يومًا، وفايز الطراونة أقلهم مدة بـ 161 يومًا.
حكومة “سمير الرفاعي” الثانية دامت 69 يومًا من 24 تشرين الثاني نوفمبر 2010 إلى 1 شباط فبراير 2011، وكان بها 30 وزيرًا.
واستنادًا إلى الموقع الرسمي لرئاسة الوزراء فإن عبد الله النسور، رئيس الوزراء العاشر في عهد الملك عبد الله، هو الأطول استمرارًا في منصبه بـ 1326 يومًا، وفايز الطراونة، رئيس الوزراء التاسع، هو الأقل بقاءً بـ161 يومًا.
عبد الرؤوف الروابدة، بدأ بتشكيل أولى الحكومات، في عهد الملك عبد الله، واستمرت 472 يومًا من 4 آذار 1999 إلى 18 حزيران 2000، وضمت 22 وزيرًا، وأجرى خلالها 3 تعديلات.
علي أبو الراغب، تلاه علي أبو الراغب، وشكل ثلاث حكومات متتالية، استمر عملها 1219 يومًا، من 19 حزيران 2000 حتى 22 تشرين الأول 2003، وأجرى عليها 9 تعديلات، وتراوح عدد وزرائها بين 26 و28 وزيرًا.
أما فيصل الفايز، فقد ترأس الحكومة الخامسة، (هو الرئيس الحالي لمجلس الأعيان، الغرفة الثانية للبرلمان)، استمرت 528 يومًا من 25 تشرين الأول 2003 إلى 5 نيسان 2005، حيث ضمت 20 وزيرًا، وجرى خلالها تعديلان اثنان.
في حين ترأس عدنان بدران الحكومة السادسة، وبقيت 231 يومًا من 7 نيسان إبريل 2005 إلى 24 تشرين الثاني نوفمبر 2005، حيث ضمت 25 وزيرًا، وشهدت تعديلًا واحدًا.
وفي 27 تشرين الثاني 2005، كلف الملك، معروف البخيت بتشكيل الحكومة السابعة، واستمرت 725 يومًا بداية منذ ذلك اليوم وحتى 22 تشرين الثاني 2007، وضمت 23 وزيرًا، وجرى عليها تعديلان حكوميان.
بعدها، جرى تكليف نادر الذهبي بتشكيل الحكومة الثامنة، واستمرت 745 يومًا بين 25 تشرين الثاني 2007 و9 كانون الأول 2009، وضمت 27 وزيرًا، وشهدت تعديلين.
وكلف الملك، سمير الرفاعي بتشكيل حكومتين متتاليتين، هما التاسعة والعاشرة، استمرت أولهما 343 يومًا بين 14 كانون الأول 2009 و22 تشرين الثاني 2010، وضمت 28 وزيرًا، وشهدت تعديلين.
أما حكومة الرفاعي الثانية فدامت 69 يومًا من 24 تشرين الثاني 2010 إلى 1 شباط 2011، وكان بها 30 وزيرًا، ولم يطرأ عليها أي تعديل.
وفي 9 شباط 2011، أعاد الملك تكليف معروف البخيت (رئيس الحكومة السابعة) بتشكيل الحكومة الحادية عشرة، واستمرت 250 يومًا، حتى 17 تشرين الأول 2011، وضمت 26 وزيًرا، وشهدت تعديلًا واحدًا.
وترأس عون الخصاونة الحكومة الثانية عشرة في عهد الملك عبد الله الثاني، واستمرت 185 يومًا، بين 24 تشرين الأول 2011 و26 نيسان 2012، وشملت 29 وزيرًا، وجرى عليها تعديل واحد.
وحل فايز الطراونة في المركز التاسع بين رؤساء الوزراء، حيث شكل الحكومة الثالثة عشرة، ودامت 161 يومًا، من 2 أيار 2012 إلى 10 تشرين الأول 2012، بـ 29 وزيرًا ودون إجراء أية تعديل. وهو رئيس الوزراء الأقصر مدة.
وجاء هاني الملقي في المركز الحادي عشر بين رؤساء الوزراء، وشكل هو أيضًا حكومتين متتاليتين، الأولى دامت 116 يومًا، من 1 حزيران يونيو 2016 إلى 25 أيلول سبتمبر 2016، بـ 28 وزيرًا، ودون تعديل.
أما حكومة الملقي الثانية، فاستمرت 624 يومًا، بين 28 أيلول 2016 و14حزيران 2018، وضمت 29 وزيرًا، وشهدت 5 تعديلات.
ثم جاءت أخيرًا، حكومة الرزاز، رئيس الوزراء الـ 12، ويترأس الحكومة الثامنة عشرة، وهي تضم 28 وزيرًا، والتي استمرت منذ 14 / حزيران 2018.. حتى تقديم استقالتها قبل أيام.. بعد حل البرلمان.
توقعات بالفشل
رأى وزير الإعلام الأسبق، وعضو مجلس الأعيان، محمد المومني، أن حكومة بشر الخصاونة لن تستطيع حل جميع المشاكل..
حيث صرّح في برنامج إعلامي مساء أمس أنه :” يجب أن ننتبه لسقف الطموحات لأن هذه الحكومة أو غيرها لن تستطيع حل جميع المشاكل مرة واحد”.
حيث ضرب المومني مثالًا مع إطلاق تساؤلات :” عن قدرة الحكومة على حل مشكلة البطالة مرة واحدة”، لكنه استدرك :” لكن من الممكن أن تعمل على تخفيض أعداد العاطلين عن العمل”.
دون أن ينسى الإشارة إلى أن التحديات الموجودة أمام الحكومة الآن كبيرة من الملفات الداخلية سواء على الصعيدين الصحي والاقتصادي بالاضافة للملفات الإقليمية وخصوصا القضية الفلسطينية.
ليعبر الوزير الأسبق عن أمله بأن تقدم الحكومة ممثلة بوزير الصحة الجديد نذير عبيدات، خطابًا يوضح فائدة حظر التجول الشامل وانعكاسه على الملف الصحي.
أما محمد التل، رئيس مجلس إدارة صحيفة الرأي، عن تفاؤله بالحكومة الجديدة، وقدرتها على الإنجاز في ظل التحديات الحالية.
وأكد التل أن الحكومة تواجه ضغوطات كبيرة نظرًا لصعوبة الملف الصحي في ظل انتشار جائحة كورونا المستجد، فضلا عن التحديات الاقتصادية التي فرضها الوباء.
ليلمح أن السلطات بصدد إصدار قرار بفصل ملف كورونا عن وزارة الصحة وربطه لوجستيًا، معتبرًا أن هذا القرار في حال صدوره سيكون له انعكاسات إيجابية بشرط التزام حكومة الخصاونة.
ويبدو – وفق مراقبين – أنه على الحكومة الأردنية الجديدة استرجاع ثقة المواطن… ففي استطلاع للرأي أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، رأى 80 في المائة من الأردنيين أن الأمور في الأردن تسير بالاتجاه السلبي، أما 7 في المائة أن الأمور تسير في الاتجاه الإيجابي، في حين أفاد 16 في المائة بأنهم لا يعرفون ما إذا كانت الأمور تسير في الاتجاه الإيجابي أو السلبي.