خاص: المخدرات في تونس.. تورط رجالات الدولة
جزء من هياكل الدولة والنافذين فيها والأجهزة الأمنية متورط في قضايا المخدرات
هل هدف انتشار المخدرات الحديثة بث الفوضى في تونس؟
هل التجأت المافيات إلى المخدرات لتخريب الاحتجاجات وإيجاد تسويغات لقمع المحتجين؟
حُجِزت في المدّة الأخيرة كميات كبيرة من المخدرات، إضافة إلى رصد عمليات ترويج متتالية لأنواع حديثة لم يسبق أن حجزت في تونس، على غرار “الزومبي” أو “الفلاكا” ومخدر الفراولة و”الكيميكال” وغيرها. وتفيد المعطيات المتوافرة أن مصالح الديوانة تمكنت مؤخرا من حجز 11295 قرصاً من مخدّر ;laquo;إكستازي;raquo;، وحجز 418غ من مادّة مخدّرة شديدة الخطورة تعرف باسم “الزومبي” وهي المرة الأولى التي يُكتشف فيها هذا النوع من المخدرات. وهو مخدر يتسبب في دخول متعاطيه في حالة هستيرية ويجعله متوحشاً. ولئن ظلت التركيبة التي صنع منها هذا المخدر غير معروفة، إلا أن عدداً من الخبراء أكدوا احتواءها على مواد سامة غير صالحة للاستهلاك البشري. ولهذا المخدر الخطر كثير من الآثار الجانبية السيئة يرتبط معظمها بتغيرات في السلوك والمزاج.
ويشعر الشخص الذي تناول هذا المخدر بالأوهام والهذيان وأنه مُطارد من مجموعة كبيرة من الناس تُحاول قتله، إضافة إلى الهلوسة الشديدة التي تقود في أحيان كثيرة إلى ممارسة العنف على من حوله وعلى نفسه أيضاً. وهو معروف أيضاً بثمنه الزهيد.
حُجز أيضاً مخدر “الفراولة “الذي تسبب في وفاة 10 تلاميذ في ليبيا. وهو حبوب أشبه بالحلوى “فلفول” بطعم الفراولة، موجه أساساً إلى التلاميذ إذ يجعلهم في حالة هيستيرية غير طبيعية ولكنها مصنوعة من مواد كيميائية مخدرة. الإضافة إلى مخدر “الكيميكال “وهو ما يعرف بصانع المجرمين والقتلة وهو من أخطر انواع المخدرات الحديثة التي بدأت تنتشر بين الفئة الشبابية.
ويتميز هذا النوع بزيادة مدّة تأثيره على المتعاطي إذ يمكن أن تصل إلى 12 ساعة، بعكس الأنواع الأخرى من المخدرات التي لا تتعدي مدّة تأثيرها ساعتين تقريباً، كمخدر النقل الهندي والكوكايين، ما يزيد احتمال ارتكاب الجرائم، من دون أن يشعر المتعاطي، وغالباً قد تصيب المقربين إليه. وهذا النوع من المخدرات يعطي إحساساً مفرطاً بالطاقة ويمنح المتعاطي اعتقاداً أن بداخله شخص خارق للعادة، فقد يشعر بأن لديه القدرة على أن يمشي على الماء مثلاً، وقد يصل الأمر إلى حد التغيب التام عن الواقع، الأمر الذي قد يزيد من معدل حدوث الجريمة. ومن أهم العوامل التي تزيد من معدل خطورة هذا النوع من المخدر هو انخفاض سعره مقارنةً بالأنواع الأخرى من المخدرات، ما يجعله يجذب نسبة كبيرة من الشباب والمراهقين، وأحياناً التلاميذ والطلبة الأمر الذي يؤكد أن هذا النوع من المخدرات هو الأشد فتكاً بمستقبل الشباب.
- تخريب الاحتجاجات
وتوقف وحدات الأمن والديوانة منذ مدّة قريبة مروجي هذه الأنواع الحديثة من المخدرات التي تزامن دخولها إلى تونس مع التحضير الشعبي للاحتجاجات السلمية ضد ارتفاع الأسعار. إذ يظن بعض أن الهدف من إدخال هذه الكميات كلها من المخدرات الغريبة هو بث الفوضى في البلاد وتخريب الاحتجاجات وإفسادها لتبدو فوضوية وغير سلمية ومن ثم التعامل معها بقبضة من حديد. وقصة تورط جزء من هياكل الدولة والنافذين فيها والأجهزة الأمنية في قضايا المخدرات ليست بغريبة إذا ما تذكرنا سرقة كميات الكيتامين من الصيدلية المركزية في محافظة سوسة ومن تورط فيها.
ثم إن كميات كبيرة من المواد المخدرة يجري حجزها لدى شبكات الترويج ليقوم الأمنيون الذين حجزوها نفسهم بترويجها لاحقاً، وقد سبق أن إوقف عدد من الأعوان المتورطين في مثل هذه القضايا. وقد أكد هيثم الزناد (الناطق الرسمي باسم الديوانة) أن معلومات وردت إلى الديوانة بوجود ناقلين عشوائيين يتنقلون بين تونس وأوروبا يثيرون الريبة بخصوص تهريب المخدرات. وقد تمكنت الديوانة من إنجاز بعمليات استباقية وحجزت كميات المخدرات التي ثبت بعد تحليلها أنها “زومبي”. وتحدث الزناد عن فرضيات إدخال هذه الكمية إلى تونس تزامناً مع نهاية السنة الميلادية التي عادة ما تكثر فيها حفلات تُروج فيها مثل هذه المخدرات .
أما الاحتمال الثاني فهو أنّ تهريبها كان بنيّة إرباك الأمن العام لتنفيذ عمليات إجرامية تمس الأمن العام. وقال: قد جرى التعامل مع الأمر بجدية وهناك عمل استخباراتي كبير بهذا الخصوص .وأضاف أنّه جرى اتخاذ الاحتياطات لتوقي الاحتمالات كلها، لكن لا معلومة مؤكدة بخصوص الغاية من تهريب هذه الكمية من المخدرات.
وكان رئيس الجمعية التونسية لطب الإدمان الدكتور نبيل بن صالح قد صرح أن عدد المدمنين في تونس على استهلاك مادة القنب الهندي “الزطلة” حوالى 400 ألف مستهلك. وهناك ما يقارب 33 ألف مدمن يستعملون مواد مخدرة أخرى عن طريق الحُقن. وتفيد المعطيات أن هناك 25 نوعاً من المخدرات. وهناك أنواع تتجدد وتتغير سنوياً. إذ هناك تطوير في الأشكال والألوان فنجد مخدرات على شكل حامل المفاتيح وأخرى على شكل الحلوى أو الشوكولا.
وهناك أنواع وأشكال لا يمكن التفطن إليها. والحديث عن المخدرات بوصفها اقتصاداً قائماً بذاته وصناعة مستقلة لها وزن مالي وتوازنات دولية وسياسية يحيلنا حتماً على حجم الضرر الذي تحدثه المخدرات والاتجار بها على اقتصاد الدول وتسببها في انهيار المنظومة المالية التي تخلق بدورها أزمات اجتماعية كالبطالة والفقر وارتفاع نسبة النمو وتهدد الأمن الوطني عبر انتشار الفساد والرشاوى لتسهيل دخولها عبر الحدود وترويجها بين المستهلكين.
استغلال التكنولوجيا الحديثة للترويج
ما تزال المخدرات تمثل مصدر الدخل الرئيس لشبكات الجريمة المنظمة حيث تزداد حدتها مع وجود الخلل الأمني في بعض المناطق إضافة إلى استغلال التكنولوجيات الحديثة لتصبح التجارة وأنواع الجهات الفاعلة المعنية بها أوسع وأيسر وتسهل عملية وصولها إلى الفئات المستهدفة التي هي غالباً من الشباب وتحديداً التلاميذ والطلبة.
وتفيد المعطيات المتوافرة أن عدداً من التلاميذ الذكور والإناث لا يتجاوزون خمس عشرة سنة يستهلكون” المخدرات” في حمامات المعاهد أو في الأماكن المهجورة قرب محطات القطارات وسط تجاهل السلطات والأولياء.
وبحسب إحصاءات وزارة الداخلية فإن عدد المودعين في السجن بسبب جرائم المخدرات يصل إلى 6662 من بينهم 2680 موقوف والبقية حكم عليهم. ويصل عدد المدمنين إلى 250 ألف مدمن. بينما يتعاطى 400 ألف “الزطلة” و33 ألف يتعاطون مخدرات أخرى. وتعدّ المخدرات الجريمة الثالثة بعد السرقة المجردة والسرقة الموصوفة بحسب التصنيف الأمني.
أما عن المادة الأكثر استهلاكا في صفوف التلاميذ الذين تقل أعمارهم عن 20 سنة فهي مادة القنب الهندي “الزطلة” بنسبة 92.70 في المئة وقرابة 72 في المئة يستهلكون الحبوب، في حين يستهلك قرابة 11 في المئة مادة الكحول، بينما يستهلك 23.30 في المئة مواد أخرى..
وتعد مسالك ترويج المخدرات وتوزيعها في الوسط المدرسي معلومة لدى الأجهزة الأمنية، إلا أن العصابات المختصة في توزيع هذه المواد تجدد باستمرار في طرائقها وفي تقنيات الإيقاع بالتلاميذ وهو ما يتطلب من الأطراف المتدخلة في هذه المسألة من وزارة الداخلية والصحة والتربية السهر على المراقبة اللصيقة للتلاميذ.
وقد طالب عدد كبير من الأولياء بتوفير مراقبة أمنية لبعض المقاهي ولبعض الأماكن الموجودة في المحيط المدرسي لحماية التلاميذ حتى لاينخرطوا في شبكات المخدرات .وأرجع بعضهم أسباب انتشار المخدرات وترويجها في صفوف الفئات الهشة من الأطفال والشباب إلى أن الفئات الهشة من شباب وأطفال هي من أكثر الفئات تأثراً بتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
وحول هذا الموضوع قال الدكتور محمد صالح الغربي (مختص في علم النفس): إن المراهق يعاني أزمة نفسية، وهو في مرحلة صعبة لا يستطيع فيها الخروج من مرحلة الطفولة والدخول إلى مرحلة الاكتمال التي تمكنه من الانخراط في المجتمع، وفي ظل هذه الأوضاع المتردية يلجأ الطفل إلى نسيان واقعه باستهلاك المخدرات.
وأرجع أسباب انتشار المخدرات في الوسط المدرسي أيضاً إلى أن المدارس لم تعد تمثل الفضاء الإيجابي للتلاميذ،ولم تعد المدرسة الجاذبة وإنما أصبحت المدرسة المنفرة لأبنائنا .وتابع أن العامل الآخر يتمثل في حالة الفراغ الروحي والنفسي نظراً إلى أسباب اجتماعية كتفكك العائلة واختلاط التلاميذ بأصحاب السوء، وصولاً إلى العامل المتعلق بتدهور النتائج المدرسية وإحساس بعض التلاميذ بأن المدرسة لم تعد تستجيب لرغباتهم وأن الأهداف التي يسعون لتحقيقها لا توجد في المدارس وإنما توجد خارج هذه المؤسسات.
- تلاميذ يروجون المخدرات
مئات من التلاميذ دخلوا عالم المخدرات لتصبح هذه الظاهرة المنتشرة في الوسط المدرسي كابوساً يؤرق الأولياء وسط عجز الإطار التربوي والأمني عن التصدي لها. فأكثر من 80 في المئة من جملة الموقوفين في السجون التونسية في قضايا المخدرات دون سن العشرين هم من التلاميذ، وفق مصدر مسؤول من وزارة الدّاخلية. والمؤسف أن هناك من التلاميذ من تحول من مستهلك إلى مروج.
ويقوم عدد من التلاميذ والتلميذات في بعض المعاهد والمدارس الإعدادية بتعاطي المخدرات في الأماكن المنزوية.. وقد أكد عدد من الأساتذة وكذلك التلاميذ أن بعض الأكشاك المحيطة بالمعاهد تبيع “الورقة” التي يلفّ فيها التبغ وعجين “الزطلة”.
لكنها لا تباع إلاّ للمحترفين الذين يستهلكون “الزطلة”. وبعض قاعات الألعاب وقاعات نوادي الإنترنت القريبة من المعاهد هي أيضاً بؤر لترويج المخدرات، وفيها يجري استدراج التلاميذ إلى عالم المخدرات والتأثير فيهم. ويوجد غرباء يدخلون المعهد بادّعاء أنهم أولياء ويستغلون أوقات الاستراحة لترويج المواد المخدرة وكذلك خارج المعهد. وأمام أغلب المؤسّسات التربوية يقف أشخاص لا تربطهم بها أي علاقة ساعات يوزعون السجائر مجاناً على الاطفال وأنواع من الشوكولا تحتوي على مواد مخدرة.
وفي ما يخص مكافحة انتشار ظاهرة المخدرات في الوسط المدرسي، فإن الفصل 20 من مجلة حماية الطفل يشير إلى الحالات الصعبة التي تهدد صحة الطفل أو سلامته البدنية والمعنوية التي يندرج ضمنها موضوع استهلاك التلاميذ للمخدرات في الوسط التربوي، وعليه فإن مندوبية حماية الطفولة تتعهد بملاحقة وضع التلاميذ الذين تُخطَر بهم، ثم تقوم بإجراءات التقصي ليُخضع في ما بعد الطفل للمتابعة الصحية والنفسية والتربوية والاجتماعية.
وألقت مندوبية حماية الطفولة المسؤولية في انتشار ظاهرة المخدرات في الوسط المدرسي على عاتق المؤسسات التربوية التي لا بدّ لها من تحصين ذاتها من الداخل والخارج ومراقبة محيطها حماية للتلاميذ. وعدّت أن الإشعارات تظل ضعيفة للكشف عن الأطفال المدمنين على المخدرات ولكن ما يجب العمل عليه إضافة إلى التوعية هو إنشاء مراكز مختصة لمعالجة الأطفال المدمنين، وأقسام للطب النفسي للأطفال.