سد النهضة.. شرارة أزمة دولية
يثير سد النهضة، الذي تعتزم إثيوبيا بناءه على نهر النيل قبالة الحدود السودانية الإثيوبية، أزمة كبيرة مع مصر، ذلك أن السد سيقلل من حصة مصر في مياه النيل، هذا ما سيترتب عليه مشاكل اقتصادية كبيرة، والذي في حال بنائه سوف يصبح أكبر سد كهرومائي في القارة الأفريقية، والعاشر عالميا في قائمة أكبر السدود إنتاجا للكهرباء.
تقدر تكلفة الإنجاز ب 4.7 مليار دولار أمريكي. وهو واحد من ثلاثة سدود تُشيد لغرض توليد الطاقة الكهرومائية في إثيوبيا. ويوجد قلق لدى الخبراء المصريين بخصوص تأثيره على تدفق مياه النيل وحصة مصر المتفق عليها.
تقسيم مياه النيل خلال القرن الماضي
كانت الدول المتشاطئة على نهر النيل في السابق مستعمرات لدول أجنبية ثم حصلت هذه الدول على استقلالها، وظهرت أولى الاتفاقيات لتقسيم مياه النيل عام 1902م في أديس أبابا وعقدت بين بريطانيا بصفتها ممثلة لمصر والسودان وإثيوبيا، ونصَّت على عدم إقامة أي مشروعات -سواءٌ على النيل الأزرق، أو بحيرة تانا ونهر السوباط، ثم اتفاقية بين بريطانيا وفرنسا، عام 1906، وظهرت عام 1929 اتفاقية أخرى، وهذه الاتفاقية تتضمن إقرار دول الحوض بحصة مصر المكتسبة من مياه النيل، وإن لمصر الحق في الاعتراض في حالة إنشاء هذه الدول مشروعات جديدة على النهر وروافده. وهذه الاتفاقية كانت بين مصر وبريطانيا (التي كانت تمثل كينيا وتنزانيا والسودان وأوغندا) لتنظيم استفادة مصر من بحيرة فيكتوريا.
وتم تخصيص نسبة 7.7٪ من تدفق النيل للسودان و92.3٪ لمصر.
مخاوف مصر من بناء السد
تخشى مصر من انخفاض مؤقت من توافر المياه نظراً لفترة ملء الخزان وانخفاض دائم بسبب التبخر من خزان المياه،إذ يبلغ حجم الخزان حوالي ما يعادل التدفق السنوي لنهر النيل على الحدود السودانية المصرية (65,5 مليار متر مكعب). من المرجح أن تنتشر هذه الخسارة إلى دول المصب على مدى عدة سنوات.
وقد ورد أنه بخلال ملء الخزان يمكن أن يُفقد من 11 إلى 19مليار متر مكعب من المياه سنوياً، مما سيتسبب في خسارة مليوني مزارع دخلهم خلال الفترة من ملء الخزان، بالتالي ستؤثر على إمدادات الكهرباء في مصر بنسبة 25 % إلى 40 %، في حين يجري بناء السد حالياً .
مخاوف مصر هنا مرتبطة بفكرة فترات الجفاف وانقطاع الأمطار التي يتعرض لها النيل الأزرق في إثيوبيا خلال بعض الفترات، كما حدث في الفترة ما بين عامي 1979 و1987.
والمعروف أن النيل الأزرق يمر بـ3 دورات كل 20 عاما، الأولى تعرف بـ”السبع السمان”، حيث يكون هطول الأمطار غزيرا. والثانية تكون نسبة هطول الأمطار فيها متوسطة، وتبلغ 6 سنوات. أما الدورة الثالثة فتدعى “السبع العجاف” التي تنخفض فيها نسبة تدفق المياه، وما تطلبه مصر من إثيوبيا، هو أن تنتظر سنوات الفيضان الغزير لتبدأ في ملء بحيرة سد النهضة.
كما تطالب بأن لا يقل منسوب خزان السد العالي خلال سنوات ملء سد النهضة عن 165 مترا، باعتبار هذا هو الحد الأدنى من التخزين، وهو الحد الذي يحمي مصر مائيا خلال أي فترة من فترات الجفاف، ولكي تتجنب القاهرة انخفاضا كبيرا في كهرباء السد العالي.
إضافة إلى ذلك، طلبت مصر من إثيوبيا 40 مليار متر مكعب من مياه النيل الأزرق فقط، غير مياه النيل الأبيض ونهر عطبره، خاصة أن النيل الأزرق إيراده السنوي حوالي 50 مليار متر مكعب.
الطاقة الكهرومائية
حسابات الطاقة الكهرومائية في الواقع أقل من 12 في المئة من إجمالي إنتاج الكهرباء في مصر في عام 2010 (14 من أصل 121 مليار كيلو وات في الساعة)، حتى أنه سيحدث انخفاض مؤقت بنسبة 25% من إنتاج الطاقة الكهرومائية وسُيترجم إلى انخفاض مؤقت في إنتاج الكهرباء الإجمالي المصري لما هو أقل من 3%.
تقليل قدرة السد العالي
سد النهضة الإثيوبي الكبير يمكن أن يؤدي أيضاً إلى خفض دائم في منسوب المياه في بحيرة ناصر، إذا تم تخزين الفيضانات بدلا من ذلك في إثيوبيا. وهذا من شأنه تقليل التبخر الحالي لأكثر من 10 مليارات متر مكعب سنويا، ولكن سيكون من شأنه أيضاً أن يقلل من قدرة السد العالي في أسوان لإنتاج الطاقة الكهرومائية لتصل قيمة الخسارة لـ100ميجاوات بسبب انخفاض مستوى المياه بالسد بمقدار 3م.
تأثير السد على السودان
من المتوقع أن يساعد السد السودان على التحكم في الفيضانات التي تصيبه خاصة عند سد الروصيرص، ومن خلال تخزين طمي النيل الأزرق، وهو ما سيطيل عمر السدود السودانية.
كما سيحصل السودان على كميات كبيرة من الكهرباء المستمرة بأسعار زهيدة جداً مقابل التوليد الحراري المكلف.
في المقابل هناك مخاوف من أن يتسبب بناء السد في إغراق نحو نصف مليون فدان من الأراضي الزراعية السودانية وتهجير نحو ثلاثين ألف مواطن بالقرب من منطقة إنشاء السد.
اجتماع ثلاثي دولي
تحتضن واشنطن اجتماع يضم كل من وزراء خارجية إثيوبيا والسودان ومصر، بتحضير من البنك الدولي، وأشار وزير خارجية إثيوبيا “آبي أحمد” إلى أن إثيوبيا جاهزة لحل أي خلافات عن طريق التشاور مع كل من مصر والسودان، مشدداً على حقوق جميع دول حوض النيل الإحدى عشر في استخدام مياه النيل؛ وفقًا لمبادئ الاستخدام العادل وعدم التسبب في أي ضرر جسيم لباقي الدول.
مسألة حياة أو موت
أولت صحف عربية، بنسختيها الورقية والإلكترونية، اهتماما بأزمة سد النهضة الإثيوبي بعد تعثر المفاوضات بين مصر وإثيوبيا والسودان.
يقول” عبد الرحيم طايع” في الدستور المصرية: “تبقى مصر قوية عزيزة ما بقى نيلها جاريًا ممتلئًا بمائه السلسال، وجيشها متماسكًا مهيبًا، هي التي اعتمدت حضارتها على فيضان النيل منذ القدم، وكان النيل سيدًا في كل عصورها من العصر الفرعوني إلى العصر الحديث”.
ويضيف الكاتب أن “الأمان المائي لمصر، وهو أمانها من النيل ومخزونه لا ريب، مسألة حياة أو موت، وأن المساس المتعمد بحصتها في مياه النيل بمثابة اعتداء مباشر على بشرها وزراعتها وصناعتها ومظاهر المعيشة فيها مجتمعة، وقد ظهر هذا الاعتداء ورسخ الآن فعليًا، بعد أن وصلت المفاوضات مع الجانب الإثيوبي إلى طريق مسدود، ببيان مصري رسمي تلته وزارة الري في الآونة الأخيرة”.
التدخل العسكري ربما يكون “اضطراريا”
ويقول الكاتب المصري” عبد الله السناوي” في الشروق المصرية: طلب تدخل طرف رابع للتوسط وفق نص في اتفاق إعلان المبادئ، والمقصود أمريكا، مسألة قد تساعد لكنها ليست حاسمة إذا لم يتحرك صاحب الحق مستخدما كل ما لديه من أوراق، أرجو أن نتذكر أن مصر ليست دولة صغيرة حتى يتعرض شعبها لما يشبه الإبادة دون أن تبدي غضبا ويسمع صوتها قويا في أرجاء العالم.
فهل ستحرك المفاوضات الثلاثينة بين مصر والسودان وإثيوبيا المياه الراكدة منذ زمن، أم أن المنطقة ستشهد نزاعا مسلحا يضيف إلى المنطقة المزيد من التوترات الناتجة عن ثورات الربيع العربي والصراع على السلطة.
مرصد الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الإعلامي