سوريا.. العاصفة لم تصل بعد
زاوية مينا
مع حرب غزة ومن ثم حرب الجنوب اللبناني، كانت سوريا (مؤجلة) لا هي في عين الحرب، ولا هي خارجها، لا هي مع المحاربين ولا هي على ما يقتضيه الحياد فقد اختار بشار الأسد لدولته خيار الممر، ممر السلاح، وممر العقائد، فباتت دولة “الكوردور” الممتلئ بمنوعات المشاريع والدول التي تتناهش وتتوافق، ولكل منها تطلعاتها العابرة لسوريا.
فإيران تريدها متراساً لحرسها لثوري، وتركيا تطمح لاحتواء أجزاء منها في الطريق إلى قضم هذه الأجزاء، أما موسكو التي اختارت البحر، فلم تر من سوريا سوى قاعدة بحرية مضمونة لها، فيما يشتغل فلاديمير بوتين على تهميش بشار الأسد وصولاً إلى اعتباره واحداً من عناصر “فاغنر” وقد تشققت البلاد بين مشروع ومشروع حتى خلت من أيّ مشروع سوري / سوري بهوية سورية، ومآل سوري، وبهدف لا يعني سوى استعادة الدولة لكرامتها الوطنية وثرواتها الوطنية، وقد خلت تماماً من أيّة فعالية سورية / سورية بما يصيغ مشروعاً سورياً جدياً للحيلولة دون المزيد من التمزق واستعادة الناس لمواطنهم وأرزاقهم ما بعد تشظيها الهائل وقد جعل نصف السكّان في النزوح والخيام.
والنصف الثاني تحت سطوة العصابات بدءاً بعصابات الموتوسيكلات التي تسطو على حقيبة سيدة عابرة في ضواحي دمشق، وصولاً لعصابات السلاح والفساد، فأضيفت المجاعة لمن في الداخل، واستولى اليأس كل اليأس على من هاجر، وانعدمت أيّة آمال في بلوغ مرحلة انتقالية تتضمن التصالح الوطني، والانتقال نحو عقد اجتماعي يقبله السوريون خارج ما تفرضه العاب الدول بدءاً من طهران بوليها الفقيه، وصولاً لأنقرة التي تشتغل على استعادة ماضيها الامبراطوري واستعادة العثمنة، وما بينهما من مشاريع لابد وأن لإسرائيل حصتها فيها، ومن بعد كل هذا التراكم انطلقت العمليات العسكرية على أيدي فصائل نمت في الحاضنة التركية، بمواجهة جيش النظام المنهك، لتسقط حلب في أيديها وتعود سوريا إلى أقسى اللحظات قلقاً في الصيغة الدولية الغامضة، فلا الروس يستبسلون في دعم النظام، ولا الأتراك يستبسلون في الدفاع عن المعارضة، وكل ما على الإيرانيين هو الاشتغال على ترميم هزيمتهم في لبنان باستعادة بعض من كرامتهم الضائعة في سوريا.
واختلطت الأوراق لتبتعد احتمالات التسوية في سوريا إلى حدود الاستحالة، فلا النظام جاهز لمصالحة الناس، ولا الفصائل المسلّحة جاهزة للتنازل عن انتصاراتها العسكرية ما بعد استيلائها على حلب، وكل ما في المشهد اليوم هو المزيد والمزيد من تدمير ما بقي من بلاد دمّر ثلثيها في السنوات الفائتة، والعالم يتفرج في توقيت هو الأشدّ تطلباً للاشتغال أقلّه على قرارات دولية سبق وأن اتخذت على طريق تسوية سورية / سورية.
الكارثة نائمة حتى اللحظة، غير أن كل أسباب استيقاظها قائمة ولكل من اللاعبين مصلحته في تمزيق بلاد لم يتبق منها سوى:
ـ أيام لتكون حمام دم متنقل.
هي الصورة الأكثر اكتئاباً قد تتظهّر اكثر على أطراف مدينة “حماه” يوم تتحرك الفصائل المسلحة نحوها، ويوم يُعلن “الولي الفقيه” ما سبق وأعلنه.. ألم يُعلن ومن على منبره:
ـ المعركة بين الجبهة الحسينية (ونعتها بجبهة الحق)، والجبهة اليزيدية (ونعتها بجبهة الباطل) لا تنتهي أبداً.