سياسة التتريك تعود إلى سورية
تسيطر تركيا بحكم الواقع على مدينة عفرين وريفها من محافظة حلب، شمال سوريا، حيث أدت عملية “غصن الزيتون” التي أطلقتها الحكومة التركية لدخول الجيش التركي إلى المدينة ذات الغالبية الكردية.
حكمت تركيا عفرين وريفها عبر الفصائل العسكرية السورية الموالية لها والتي عرفت لاحقاً بـ “الجيش الوطني”، والأذرع المدنية التي شكلتها مثل المجالس المحلية وغيرها من منظمات المجتمع المدني.
وفي رصد أجرته صحيفة الشرق الأوسط، فإن نصف سكان عفرين البالغ عددهم قبل السيطرة التركية، حوالي نصف مليون، قد هجروا بيوتهم واستقروا في مخيمات الشهباء بريف حلب، وحلّ مكانهم مهجروا ريف دمشق، وحمص وحلب، وحماة، أي السكان الذين أجبرهم نظام الأسد على هجرة مدنهم وقراهم وفق اتفاقية “الدول الضامنة” التي وقعت في أستانة، والدول الضامنة هي تركيا وإيران وروسيا؛ الدول ذات المصالح في سوريا، وصاحبة القوة العسكرية الضاربة على الأرض.
وقالت الصحيفة نقلاً عن فتاة كردية مقيمة داخل عفرين أنها لم تعد تتحدث بلغتها الأصلية لأن ذلك يعد تهمة، كما أردفت الفتاة قائلةً: “إن مظاهر الاشتباكات المسلحة أصبحت جزء من الحياة اليومية”.
وتلاحق الفصائل السورية الموالية لتركيا فلول مليشيا الإدارة الذاتية، التي كانت مسيطرة على عفرين وريفها، وتبنت عناصر تابعة لحزب الإتحاد الديمقراطي الكردي والمعروف باسم “ب ي د” في عملية أطلقت عليها اسم “غضب الزيتون” رداً على العملية التركية في عفرين “غصن الزيتون” تفجير صهريج وقود مفخخ في مدينة عفرين راح ضحيته 11 مدني على الأفل بينهم أكراد في الجمعة الماضية 12 تموز الجاري.
وافتتحت السلطات التركية في عفرين العديد من الخدمات المدنية والفعاليات، رفعت عليها أسماء تركية وكتبت باللغتين العربية والتركية.
وبحسب الصحيفة فإن غالبية الأكراد حرموا هذا العام من الاحتفال بعيد النوروز؛ وهو العيد القومي للأكراد في العالم، ويصادف 21 من شهر آذار في كل عام، وعزت الصحيفة الأسباب إلى الإجراءات التي اتخذتها الفصائل العسكرية الموالية لتركيا في عفرين، حيث قالت الفتاة العفرينية التي تواصلت الصحيفة معها عبر تطبيق “الواتس آب” أنها حرمت:”من طقوس العيد كارتداء الأزياء الفلكلورية، التي تتميز بألوانها الزاهية وتكون فضفاضة، حيث لم تجرؤ أي فتاة على الخروج من منزلها، وفضّلت البقاء على أن تسمع كلاماً بذيئاً وسيئاً بحقها”.
أقدمت مجموعة من العناصر المسلحة بحرق 300 شجرة لوز تعود ملكيتها لوالد ناشط إعلامي كردي تحدثت الصحيفة معه لكنها لم تسمه، وقال الناشط الكردي:” كل مواطن من عفرين مرتبط بشجرته كارتباطه بالحياة، اليوم نشاهد ونسمع كيف يقطعون ويحرقون مئات الأشجار… لماذا كل هذه الجرائم؟! احتلوا أرضنا ويحرقون ممتلكاتنا”.
وبحسب خبراء اقتصاديين ونشطاء حقوقيين وثَّقوا الأشجار التي تعرضت للقطع والحرق، فقد وصل عددها لأكثر من 120 ألف شجرة.
وخسرت زراعة الزيتون في عفرين- وتشتهر المدينة وريفها بزيتونها وزيته ذو الجودة العالية- نحو 105 مليون دولار أميريكي، بسبب منع الجنود الأتراك المزارعين من تصدير إنتاجهم من زيت الزيتون، حيث بلغ سعر 16 لتر من زيت الزيتون نحو 25 دولاراً فقط، بينما وصل السعر لـ 3 أضعاف هذا الرقم في المناطق التي يسيطر عليها النظام، أو مناطق الإدارة الذاتية الكردية.
وفرضت المجموعات المسلحة أتاوات على المزراعين وصلت لنحو 15 إلى 20 % من إجمالي إنتاجهم، حيث ألزم فصيل “فيلق الشام” مزارعي كروم العنب بيع ورق العنب لعناصر الفصيل بنصف دولار أميريكي -300 ل.س بينما سعره الحقيقي 1500 ل.س أي -3 $-.
وتسعى مجموعة من الناشطين والحقوقين الكرد إلى توثيق هذه الجرائم الانتهاكات بحق الكرد في عفرين، وقالت ناشطة كردية تعمل على توثيق الانتهاكات:”ننشر جميع حالات الانتهاكات، ونوثّق بنسبة 70 في المائة مما يحدث في عفرين، والكثير من الحالات لا يمكن نشرها، إما بسبب الخوف من أصحابها أو حرصاً على سلامة من كان ضحية”.
وتضيف الناشطة:”بعد احتلال عفرين زاد خطاب الكراهية والحقد بين أهل المدينة والعسكر من جهة، والوافدين الجدّد من جهة ثانية”، ووصفت المشهد بـ”المؤلم والقاتم”، فتابعت قائلةً:”وعندما تشاهد غرباء يستوطنون أرضك وممتلكاتك، فمن المستحيل أن أفكر بالعودة، لأنني لا أريد العيش مع ذلك الظلام”.
مرصد الشرق الأوسط وشمال افريقيا الإعلامي