سياسيو لبنان ومدراء المصارف، وقد مسخهم الله إلى قردة
اللبنانيون، وفي معظم جلساتهم لايحيدون عن حديث “أموالهم المودعة”، ومع الحديث عن ودائعهم سلسلة من التوقعات، البارز أنها أن مالا يُحصّل بالقبلات سيحصّل بالقبضات، وفي الطريق يستعرضون الأفراد الذين دخلوا المصارف عنوة وبقوة السلاح لاستعادة أموالهم، ويحكون بنشوة عن هذا الطريق بتحصيل حقوق ضائعة أو تكاد.
ما يتخوف منه لبنان اليوم، هو الفوضى التي سترافق فراغ السلطة سواء عبر الشغور الرئاسي المحتمل، أو عبر شلل حكومة ميقاتي في مقبل الأيام، وحين يتوقفون عند هذا وذاك يعودون لللسؤال:
ـ وحين لم يكن الفراغين .. الرئاسي الأول والرئاسي الثاني، ما الذي فعلته هذه السلطات إزاء ودائع اللبنانيين؟
كل مافعلوه أن استثمروا في النفوذ وهرّبوا ودائعهم وهي بالملايين فيما تم السطو على صغار المودعين، بلا رقابة ولا ضمير، هذا عداك عن تفويت الفرص لاستعادة مال المودعين وكان البنك الدولي قد أصدر تقريرًا بالغ الأهمية صدر في 30 أيار الماضي طلب فيه “مراجعة الأداء والدروس المستفادة” حول لبنان، وكلام السياسيين اللبنانيين القائلين بأن ” الودائع في القطاع المصرفي المنهار في البلاد، مقدسة”.
التقرير إياه اعتبر أن هذا “المصطلح لا يتعارض مع الواقع بشكل صارخ فحسب، بل إنه يمنع إيجاد حلول لحماية معظم، إن لم يكن كل، أصحاب الودائع الصغار والمتوسطين بالدولار والنقد”. كما أنه يشير إلى ضرورة اعتراف المصارف وكبار المودعين (وهم الشركاء الفعليون للسياسيين اللبنانيين) بضرورة تحمّلهم الخسائر الناجمة عن الانهيار بسبب السياسات السابقة.
توقع التقرير نفسه أن يتنامى العنف في البلد جرّاء الأزمة التي وقع فيها، بإشارته إلى أن لبنان “أضاع وقتاً ثميناً، والعديد من الفرص لتبنّي مسارٍ لإصلاح نظامه الاقتصادي والمالي، ولم يشرع بعد مرور عامين ونصف في تطبيق برنامج شامل للإصلاح والتعافي يحول دون انزلاق البلاد إلى مزيد من الغرق، وينطوي استمرار التأخير المتعمّد في معالجة أسباب الأزمة على تهديد ليس على المستوى الاجتماعي والاقتصادي فحسب، وإنما أيضاً على خطر إخفاق منهجي لمؤسسات الدولة وتعريض السلم الاجتماعي الهشّ لمزيد من الضغوط.
إضاعة الفرص أسبابها سياسية متعددة. والمحطات التي يمكن ذكرها في هذا المجال لا تحصى، باتت عامة الناس تدركها، من أثر الخلافات السياسية على الحصص والتنافس على السلطة، التي شهدت فترات من الاهتزازات السياسية والفراغ والتعطيل، ما لم يشهده أي بلد في العالم، فضلاً عن إفقاده الدعم الخارجي وعلاقاته الدولية والعربية الطبيعية بفعل ربطه بحروب المنطقة وبالمحور الإيراني.
إحدى محطات إهدار الفرص ما نصّت عليه المبادرة الكويتية في 22 كانون الثاني 2022 والتي حملها وزير الخارجية الكويتي إثر تأزم العلاقات مع الدول الخليجية. فالمبادرة التي تضمنت 12 بنداً، نصّ البند الثاني عشر فيها حرفياً على الآتي: “العمل مع البنك الدولي لإيجاد حلول لمسألة عدم تمكين المواطنين اللبنانيين من تسلم ودائعهم في البنوك اللبنانية”.
أهمل المسؤولون اللبنانيون هذا البند، واهتمّوا بكيفية الرد أو التعليق على البنود الأخرى المتعلقة بتطبيق اتفاق الطائف، والقرارات الدولية المتعلقة بالسلاح غير الشرعي، ووقف تدخل “حزب الله” في شؤون الدول العربية، ووقف التهريب والتزام النأي بالنفس قولاً وفعلاً… فالتزموا بعضها واحتاروا في كيفية تبرير عدم قدرتهم على تنفيذ البعض الآخر المتعلق بـ”حزب الله”. لكنّ البند الأخير كان بمثابة إشارة إلى الاستعداد الخليجي للمساعدة في حلّ أزمة الودائع بالتنسيق مع المجتمع الدولي. ومن الطبيعي أن لذلك مقابلاً وهو الحد الأدنى، مثل البند الرابع من المبادرة الذي نص على أن “سياسة النأي بالنفس يجب أن تكون قولاً وفعلاً”.
أزمة الودائع بقيت من دون حلول لأسباب سياسية، منذ أن قرر أقطاب في السياسة اللبنانية الامتناع عن إصدار قانون الكابيتال كونترول حتى يتمكنوا مع شركائهم من المتمولين من سحب أموالهم بالطرق الملتوية، وترك سائر المودعين يتخبّطون ويخسرون قيمتها. وفي النتائج:
ـ لا أمل بمال يستعاد، وكل الطرق ستقود إلى:
بندقية بذخيرة أو بلا ذخيرة، لاقتحام المصارف ومعها ثمة من يردد:
ـ ما مسخ الله اكثر من القرد.
قردة السياسة وقردة المصارف لابد وقد أوحوا بهذا الكلام.