شتاء سوريا الثامن: العودة إلى الفحم الحجري.. الحطب تحت سيطرة "التركستاني" و"النصرة"
تزداد معاناة السوريين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في شتى مظاهر الحياة واحتياجاتها، لا سيما مع ازدياد نسبة البطالة إلى أكثر من 55% “بحسب مراكز دراسات محلية” يرافقها ارتفاع جنوني بأسعار ضروريات الحياة التي لجأ البعض لتأمينها بالتخلي عن الكماليات، وبيعها بثمن بخس لتأمين لقمة العيش التي أصبحت استمراريتها حلماً بعيد المنال عن أكثر من 70% من مجمل سكان الشمال السوري (ريف حماة – ادلب _ريف حلب). ومع قدوم الشتاء الثامن في ظل الحرب التي مزقت البلاد، وأنهكت كاهل السكان أكثر، ومما يقض مضجع الأخير هو كيفية تأمين وقود الشتاء اللازم لعملية التدفئة التي ربما تطول أكثر من 5 أشهر بحسب وضع الطقس وبرودته، وربما مسألة تأمين الموقد للعائلة في ظل الوضع الاقتصادي المتردي أصبح الشغل الشاغل على مدار العام لأرباب الأسر كبيرهم وصغيرهم نساء ورجال فما الذي جعل التدفئة صعبة المنال على السوريين، وماهي أبرز طرق التدفئة.
- قشر الفستق الحلبي:
مع مرور العام الثامن على التوالي للأحداث المتتابعة في سوريا، برزت طرق تدفئة جديدة، من اختراع السوريين تتماشى تلك الطرق مع الوضع القائم بعيدة عن الطرق التقليدية التي كانت متبعة قبل العام 2011، والمتمثلة بالاعتماد على الديزل والكهرباء. الكهرباء التي فقدها سكان الشمال السوري منذ عام 2014 فعليا، بعد توقف محطة كهرباء زيزون عن العمل بسبب قصف النظام، والسلب الجائر لممتلكات المحطة من قبل فصائل “التركستان وهيئة تحرير الشام”، مما زاد الأمر صعوبة ومأساوية بسبب فقدان العامل الأكبر للطاقة في شمال سوريا. ولعل أبرز طرق ومواد التدفئة كان التدفئة على قشر الفستق الحلبي الذي انطلق من شمال حماة، من مدينة “مورك”، وأثبت فعالية بين أوساط السكان متوسطي الحال، وتتكون المادة المذكورة من غطاء الفستق الحبي الذي يزرعه السكان، ويتم قشره بآلات خاصة تفصل القشر عن اللب الذي يتم بيعه ليبقى القشر ويستعمل في عملية التدفئة، حيث كان سعر كيلو غرام قشر الفستق الحلبي يساوي 1 ليرة سورية في العام /2014/ ليزداد تدريجياً بعدها إلى 10 ليرات سورية في العام 2017، حيث بلغ سعر الطن الواحد أكثر من 100$ هذا العام إضافة لسعر الموقد الخاص الذي يوضع فيه القشر والذي تبلغ تكلفته ككل إلى 150$ في العام الجاري. أما عن نسبة استهلاك الفستق الحلبي، فإن العائلة تحتاج إلى /2 طن/ شهرياً وبعملية حسابية 200$ وبمجمل 350$ في فصل الشتاء ككل، إضافة لسعر جهاز التدفئة لتصل إلى 350$ تكلفة إجمالية للعائلة الواحدة حسب أحمد الناظم المالك لآلة تقشير الفستق والمشرف على بيع القشر.
- الفحم الحجري:
وحول المادة الثانية للتدفئة يتحدث التاجر “رامز العليان” قائلاً: “إن الفحم الحجري الذي انتشر منذ عام 2016 بكثرة شمال سوريا، لا سيما بريف إدلب وأصبحت نسبة اعتماده أكثر من 30% بين السكان، ولعل السبب الأبرز لاستخدامه هو التواصل الكبير بين السوريين والأتراك، حيث يعتمده الأخير بنسب عالية بالتدفئة. في سوريا وصل سعر الكيس الواحد من الفحم الحجري بزنة /25 كغ/ إلى 3$ ويكفي الكيس الواحد يومين متتالين في الطقس المعتدل بكمية 15 كيس شهريا، بواقع 45$ وبتكلفة كلية 225$، ناهيك عن مرجل الفحم الخاص والذي يصل الى 100$، أي أن العائلة تحتاج إلى 325$ تحتاجها العائلة التي تنوي أن تحصل على تدفئة تقيها البرد بشكل ممتاز.
- والحطب بأنواعه:
الحطب بأنواعه ( زيتون – جوز – سنديان – بلوط – قطلب – سرو) المختلفة، والمتوفرة نوعاً ما في جبال اللاذقية الخاضعة لسيطرة المعارضة، وربما أخذ الحطب الحيز الأكبر من حياة السوريين بعد ال2011، إذ لم تكن إلا فئة قليلة تستعمل التدفئة على الحطب، وهي التي تسكن جبال اللاذقية، بسفحيها الشرقي والغربي مستغلة وفرته وثمنه البخس قبل الأحداث التي دارت في سوريا، والتي أجبرت بدورها أكثر من 50% من السكان على الاعتماد على الحطب، مما تسبب بتدهور الثروة الحراجية في سوريا بشكل غير معقول، حيث تقلصت نسبة المساحات الحراجية بين العام 2011 و 2018 إلى 75 % بسبب الاستخدام المفرط من قبل السكان لمادة الحطب والتي وصل سعر الطن الواحد منها إلى 150$ هذا العام إذ تحتاج العائلة بين الـ 2- 3 طن بأكثر تقدير على مدار فصل الشتاء ومما يتميز به الحطب أنه قابل للاشتعال بأي موقد كان رخيص أو غالي، وتتراوح أسعار مواقد الحطب بين الـ 15 $ والـ 100$ بحسب رغبة العائلة. إلا أن الفصائل المسيطرة على جبال اللاذقية منعت التجار من استجرار الحطب، إلا عن طريقها، وفرضت رسوم عليه حيث يدفع التاجر على كل طن حطب20$، مما ساهم بزيادة سعر الطن الذي لم يتعدى الـ 50$ قبل فرض الضرائب، ولعل أبرز الفصائل كانت “هيئة تحرير الشام والتركستان”، الذين عمدوا إلى حجز الكثير من سيارات التجار حتى يدفع الأخير الضريبة المترتبة عليه، كما عمدت تلك الفصائل إلى إنشاء مراكز لبيع الحطب تابعة لها وبكميات كبيرة، مما زاد من صعوبات الحصول على الحطب، وزاد من تكلفته على المواطن حسب ما ورد على لسان “غياث زليطو” أحد أصحاب مراكز بيع الحطب. بعد سيطرة فصائل المعارضة بمسمياتها على حقول النفط توقفت آلية التكرير الجيدة، وأصبح القائمون على آبار النفط يلجؤون لطرق تكرير رخيصة وبديلة، أثرت على جودة المازوت ونوعيته إذ تعددت أقسام ونوعيات المازوت وأسعاره ( العسلي بسعر 100$ للبرميل – الأسود بسعر 90$ للبرميل – الأحمر بسعر 100$ للبرميل ). إلا أن جميع ما ذكر لا يستخدمه السكان لعملية التدفئة نظراً لرائحته البشعة في المنزل وتجمده في الموقد بفصل الشتاء إذ يعتمد السكان على نوعية مازوت تسمى بـ “رميلان” ويصل سعر البرميل إلى 120$ أمريكي هذا العام على عكس الأعوام السابقة التي فاق بها سعر البرميل الـ 200$ أثناء تحكم الأكراد بطريق عفرين والقصف المتبادل بينهم وبين الاتراك على الطريق الوحيد الذي كان ينقطع لفترات مما يسهم بزيادة السعر. وبالعودة إلى الاستهلاك فإن العائلة تستهلك بين البرميلين ونصف إلى 3 براميل في فصل الشتاء، بحسب حالة الطقس وبرودته، إلا أن تدفئة المازوت تبقى أقل حرارة من الحطب والفحم وقشر الفستق.
- وأخيراً.. مخلّفات الحيوان:
التدفئة على مخلفات الحيوانات نظراً لتدهور الحالة المعاشية والاقتصادية للسكان في الشمال السوري فإن نسبة 30% لا تقوى على شراء المواد المذكورة لتلجأ إلى طرق تدفئة رخيصة ومضرة بالصحة يجبرها على ذلك الضعف الاقتصادي، ومستوى الفقر المدقع، وتلك النسبة تقسمت إلى فئة تعتمد على جمع مخلفات الحيوانات في الصيف، لتعمله بشكل أقراص من الممكن جمعها بشكل منظم في مكان بعيد عن المطر، ومن الملفت للنظر ان حتى روث البقر او المعروف بمسمى ( الجلة ) اصبح يباع في بعض قرى ريف حماة الشمالي بتسعيرة تصل الى 25 ليرة سورية لكل قرص جلة أي ان رب الاسرة الذي يعاني من فقر مدقع حتى روث البقر لن يحصل عليه بسبب دخوله في سوق المنافسة الاقتصادية لمواد التدفئة حيث تحتاج الاسرى الى 100$ باقل تقدير للحصول على دفئ من روث الحيوان مع مخاطره، والتي يقول عنها الطبيب “أحمد الأسمر أنها تؤدي الى انتشار الامراض الرئوية مؤكداً أنه وزملاءه استقبلوا أكثر من 100 حالة في الشمال السوري خلال أقل من شهرين، معظمها أطفال تعاني من أمراض تنفسية والتهابات حادة بالقصبات التنفسية الهوائية.
- من المتحكم بمواد التدفئة الأساسية ..؟
لا يخفى على أحد من السوريين أن فصائل المعارضة هي المتحكم الأول بسوق التدفئة، يليها التجار. ففي الغرب من مناطق المعارضة تسيطر هيئة تحرير الشام والتركستان على مصادر الحطب وتفرض الإتاوات العالية على من يريد اقتنائها حيث تقيم تلك الفصائل حواجز على ما يعرف بطرقات الحطب يوجد من ضمن الحاجز شخص مقدر للكمية يفرض ضريبة على كل طن او على كل كيلو بحسب حمولة السيارة والواضح من تلك الحواجز انها تتبع لاشخاص او كيان داخل تلك الفصائل بحيث كل متنفذ يسيطر على طريق ليجبي منه الضرائب ويبني عليه ثروته بحسب ناشطين من منطقة جسر الشغور، وفي الشرق كانت “داعش”، واليوم “قسد” إذ أن سعر برميل المازوت يزداد أضعاف عن سعره في الرقة، والتي يباع فيها لتر المازوت بـ 70 ليرة سورية، بينما تفرض ضرائب على الصهاريج الناقلة للمازوت باتجاه إدلب وريف حماة، ليصل سعر اللتر إلى 200 ليرة سورية، ناهيك عن جشع التجار الذين يفتعلون موجات احتكار للسلعة لتزداد ارباحهم اضعاف مضاعفة ولعل ما حدث في العام 2017 خير دليل على الاحتكار اذ ان التجار احتكروا مادة المازوت في مطلع الشتاء والبرد ورافق ذلك الاحتكار ارتفاع جنوني بالأسعار وصل الى 600 ليرة سورية للتر في الوقت الذي كان فيه السكان باشد الحاجة للمادة مما دعا البعض للتساؤل حينها اين دور الفصيل او القوة الأمنية لاجبار التجار على تخفيض السعر الذي وصل عنان السماء؟ الا ان الجواب كان ضمنيا بنفوس المدنيين في الشمال السوري والذي مفاده ان التجار ما كانوا ليقدموا على الاحتكار لو لم يكن التاجر هو نفسه القوة الأمنية ومتنفذ بهيئة تحرير الشام التي عملت حينها على افتتاح مراكز لبيع المحروقات بإدلب أما الفحم الحجري فإن التجار يستقدمونه من تركيا من خلال معبر باب الهوى الذي تسيطر عليه هيئة تحرير الشام، وتفرض ضرائب على البضائع المستوردة ضاربة عرض الحائط الفقر المدقع للسكان في الداخل السوري، والذي تكاد تنعدم منه أشكال الحياة.
- ماذا قدمت المنظمات الإنسانية لإمداد السكان ببدائل أو مصادر تدفئة..؟
في هذا الصدد أكد الناشط “قتيبة الزهوري” أن الجهد الإغاثي والإنساني بخصوص التدفئة مخجل إذ أن بعض المنظمات مثل “الهلال الأحمر القطري” قدم دعم متمثل بـ 100 لتر مازوت للعائلة الواحدة على مر العامين القادمين لمناطق دون أخرى ولاستحقاق مخصص لفئات من السكان وسط غياب دعم حكومي أو مؤسساتي حكومي يساعد السكان على تأمين مصادر تدفئة تقيهم برد الشتاء الذي أصبح وحقد نظام الأسد شركاء بقتلهم، ناهيك عن تخصيص فصائل المعارضة لبرنامج دعم محروقات تدفئة خاص بعناصرها فقط تاركةً المدنيين لآهات البرد وظلام الشتاء. بدوره نوه الناشط علي أبو الفاروق ان المنظمات والحكومات العاملة في الشمال السوري لم تفلح بباقي مجالات الحياة لتفلح بدعم واقع التدفئة للسكان فلم تشهد المناطق الواقعة تحت سيطرتها من محافظة حماة منذ عام 2014 أي نشاط منظماتي يهدف الى امداد السكان بمشروع تدفئة سوى ان الهلال الأحمر السوري القادم من مناطق النظام في العام 2016 قدم وعلى ثلاث دفعات مستلزمات شتاء من اغطية وبطانيات والبسة، وأضاف ان “اكثر من 80% من الريف الحموي اليوم تحت خط الفقر نظرا لما تعرض له من حروب أتت على جميع مرافق الحياة حتى المدارس اشد ماتكون ضمن حاجة التدفئة التي افتقدها الطلاب في صفوفهم فهل يستطيع الطالب الادارك وهو يتجمد من البرد”. – مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.