شمال شرق سوريا.. لعبة أزواج الأم
سيزيد حال شمال شرق سوريا من المعضلة السورية، تلك حقيقة قد تبدو في الظل اليوم، لكنها لابد وتتحول إلى مسالة صريحة في الغد القريب، بل والقريب جدًا.
الامريكان يقدمون الوعود تلك الوعود للقوات الكردية بـ “عدم التخلي”، وبالرعاية، وبـ “اللا إنسحاب”، غير أنهم انسحبوا من أفغانستان، وليس ثمة من يراهن على الوعد الامريكي، وفي حال تحقق هذا الانسحاب، ستكون العقدة مشتركة ما بين طرفين رئيسيين:
ـ الأتراك والروس.
اما فيما يتعلق بالنظام، فلن يكون لاعبًا على المائدة، وأقصى مالديه أن يعرقل اللاعبين، وبحدود بالغة التواضع.
امر كهذا يستدعي التساؤل:
ـ هل ثمة فضاء ما، لتفاهمات روسية تركية إزاء هذا المنطقة؟
وإذا ما اتفقا على صيغة ما، كيف سيكون حال الرد الامريكي؟
هذا سؤال كان قد طرحه سونر جاغايتاي من معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى، والرجل المتسائل يقول أنه “على افتراض أن أردوغان وبوتين سيتمكّنان من التوصل إلى اتفاق، فإن الهدف الذي تختاره تركيا سيحدد مدى حدة رد الفعل الأمريكي” وسيتابع “إدارة بايدن تنظر إلى شمال شرق سوريا حيث تشكل القوات الأمريكية جزء لا يتجزأ من وحدات حماية الشعب حيث لا يوجد للولايات المتحدة قوات برية، بشكل مختلف حين يتعلق الأمر بعلاقتها مع أنقرة. ومع أن شمال شرق سوريا لا يزال منطقة خلاف بين الحكومتين، فإن الوجود العسكري التركي في شمال غرب سوريا يصبّ في خدمة واشنطن لأنه يوفّر أداة ترهيب تحدد سلوك نظام الأسد”.
ـ ماذا يعني هذا الكلام؟
يقيناً، أن رد الفعل العلني للإدارة الأمريكية على أي توغل تركي سيكون سلبياً. لكن من المرجح ألا تتضايق واشنطن بالقدر نفسه من عمليةٍ تستهدف مناطق الشمال الغربي كتل رفعت أو منبج. وفي المقابل، من شأن الهجوم التركي على كوباني أن يستحث الرد الأقوى من الولايات المتحدة، بما في ذلك إدانة من الكونغرس حيث وصلت مكانة تركيا إلى أدنى مستوياتها منذ عقود. والواقع أن كوباني تحمل قيمة خاصة – فهي ترمز بالنسبة لـ “وحدات حماية الشعب” إلى الانتصار على تنظيم “الدولة الإسلامية” عام 2015، في حين تشكل بالنسبة للجيش الأمريكي الشراكة الأمريكية الناشئة مع “وحدات حماية الشعب” بشكل كامل ورسمي في نظر الرأي العام.
ومن وجهة نظر بوتين، قد يبدو الوضع أشبه بموقف آخر يمكن فيه استغلال النزاع السوري لإبعاد أنقرة عن واشنطن. وإذا صحّ ذلك، قد يأذن بتوغل تركي يستهدف كوباني حصرياً لقاء تنازلات في إدلب، وقد تكون هذه الجائزة أكبر من أن تتخلى عنها أنقرة بما أن “وحدات حماية الشعب” لم تعد تسيطر على غالبية الحدود.
غير أن القرار النهائي هو بيد أردوغان، ولعل أسباباً سياسية داخلية تردعه. ومن المحتمل أن يجد نفسه مضطراً، من أجل استعادة قاعدة دعمه المتقلصة، إلى ابتكار سردية عن علاقاته الجيدة مع الرئيس بايدن وإعادة تركيا إلى نموها الاقتصادي السابق – مما يعني تهدئة مخاوف السوق من نوايا تركيا العسكرية وتحفيز التدفقات المالية إلى البلاد. لكنّ أي توغل جديد في سوريا قد يقوّض هذه الاستراتيجية عبر تأجيج التوتر مع واشنطن وربما تحفيز عقوبات من الكونغرس. لذلك قد يختار أردوغان تأجيل العمل العسكري في الوقت الحالي، أو على الأقل إبقائه ضيّق النطاق من أجل تخفيف رد الفعل السلبي من الولايات المتحدة إلى حدّه الأدنى.
بالمحصلة فالمسألة مسألة وقت، وقت هو تأجيل الارتطام ما بين مجموع قوى تتنازع هذه المنطقة، ليس من بينها قوة يمكن نعتها بأم الصبي.
الكل أزواج الأم، اما الكرد فلن يكون حالهم سوى:
استعادة السؤال :
كيف لنا أن نبقى في سوريا دون أن نتخلى عن سوريتنا؟