صراعات سياسية وإقالات تعصف بمجالس المحافظات العراقية وسط تجاذبات حزبية
![](/wp-content/uploads/2025/02/41414141-686x470.webp)
مرصد مينا
منذ إعادة تفعيل عمل مجالس المحافظات العراقية بعد توقف دام نحو عشر سنوات وإجراء الانتخابات المحلية في عام 2023، لم ينجح النظام الجديد في تحقيق الاستقرار المنشود، إذ سرعان ما عادت الخلافات السياسية والصراعات الحزبية لتلقي بظلالها على عمل هذه المجالس.
وشهدت معظم المحافظات توترات سياسية أدت إلى عمليات إقالة متكررة، وتبادل الاتهامات، ورفع الطعون القانونية، مما جعل المشهد السياسي أكثر تعقيداً واضطراباً.
أزمات متلاحقة تعرقل استقرار المجالس
بعد الانتخابات التي جرت في يناير 2023، استغرقت عملية تشكيل المجالس واختيار رؤسائها ثم تعيين المحافظين عدة أشهر، إلا أن حالة التنافس بين القوى السياسية سرعان ما تفجرت في بعض المحافظات مثل ديالى وكركوك، حيث برزت خلافات حادة أثرت على استقرار العمل الإداري والسياسي فيها.
في بعض المحافظات، مثل بغداد ونينوى، نجحت القوى السياسية في التوصل إلى تفاهمات مرحلية بين الأحزاب المتنفذة، إلا أن ذلك لم يمنع نشوب خلافات جديدة، كما حدث في محافظة ذي قار جنوب البلاد، حيث تصاعدت حدة التوتر بين مجلس المحافظة والمحافظ، وسط تبادل للاتهامات واستمرار عدم الاستقرار.
إقالات وطعون قانونية في بغداد
وشهدت العاصمة بغداد واحدة من أبرز الأزمات السياسية في مجالس المحافظات، حيث أقدم مجلس المحافظة على إقالة رئيسه، عمار القيسي، وانتخاب عمار الحمداني بديلاً عنه، وهو عضو في حزب “تقدم” الذي يتزعمه رئيس البرلمان العراقي السابق محمد الحلبوسي.
إلا أن الأزمة لم تتوقف عند هذا الحد، حيث قررت محكمة القضاء الإداري إعادة القيسي إلى منصبه بعد أيام قليلة من الإقالة، في مشهد وصفه البعض بـ”السوريالي”، إذ جاء القرار بينما كان الحمداني يتلقى التهاني بمناسبة انتخابه.
وجاء في الوثيقة الصادرة عن المحكمة أن إيقاف إجراءات إقالة القيسي مؤقت، لحين حسم القضية نهائياً، نظراً لتوفر الشروط القانونية لذلك، وعدم إمكانية تدارك الأضرار الناجمة عن تنفيذ قرار الإقالة.
من جانبه، اعتبر القيسي أن إقالته تمت بدوافع سياسية، مؤكداً أن مجلس المحافظة لم يستند إلى أسس قانونية في اتخاذ قراره.
في الوقت ذاته، شهدت بغداد أيضاً أزمة قانونية أخرى تتعلق بمحافظها، عبد المطلب العلوي، الذي تمت إحالته إلى التقاعد بدعوى بلوغه السن القانوني، وهو ما أثار اعتراضات واسعة. فقد طعن العلوي في القرار، مؤكداً أن القانون لا يحدد سناً معيناً لإحالة المحافظ إلى التقاعد، خصوصاً أن منصبه يُعد منصباً منتخباً من مجلس المحافظة.
تصدعات سياسية في نينوى وديالى وذي قار
الصراعات السياسية لم تقتصر على بغداد، بل امتدت إلى عدة محافظات أخرى، كان أبرزها نينوى، حيث شهد مجلس المحافظة خلافات حادة حول استجواب وإقالة رئيسه أحمد الحاصود، وسط تحركات لإعادة ترتيب الخارطة السياسية داخل المجلس.
وتشير مصادر إلى وجود انقسامات داخل تحالف “نينوى المستقبل”، الذي يضم 16 عضواً، حيث بدأت بعض الأطراف فيه تتجه للتحالف مع الإطار التنسيقي، ما يهدد بتغيير موازين القوى داخل المجلس.
أما في محافظة ذي قار، فقد تصاعدت الأزمة السياسية بعد تسريبات صوتية للمحافظ مرتضى الإبراهيمي، أدت إلى إقالته بضغط من الشارع والتظاهرات الحاشدة.
ومع ذلك، دخلت القضية في تعقيدات جديدة بعدما زار زعيم تيار الحكمة، عمار الحكيم، المحافظة في محاولة لإيجاد حل وسط، ليعلن لاحقاً تعليق عضويته في قيادة “الإطار التنسيقي” احتجاجاً على ما جرى.
وعلى الرغم من نجاح بعض الوساطات في إعادة الإبراهيمي إلى منصبه مؤقتاً، إلا أن التوترات لا تزال قائمة، ما يهدد بعودة الأزمة إلى الواجهة مجدداً.
وفي ديالى وكركوك، تداخلت العوامل الحزبية والقومية والمذهبية في تعقيد الأوضاع، حيث شهدت المحافظتان نزاعات على المناصب بين القوى السياسية المختلفة، مما جعل التوافق بين المجالس والمحافظين هشاً، وقابلاً للانهيار في أي لحظة.
“شراكة مستحيلة” بين المجالس والمحافظين
تظهر هذه الأزمات المتتالية مدى عمق الانقسامات السياسية في العراق، حيث بات من الصعب تحقيق شراكة فعلية بين المجالس المحلية والمحافظين بسبب التباينات الحزبية والقومية والطائفية.
وفي ظل هذه الخلافات، أصبحت المجالس عاجزة عن أداء دورها في تطوير المشاريع الخدمية وتنفيذ البرامج التي وُعد بها المواطنون، ما أدى إلى تعطل الكثير من الخطط التنموية في مختلف المحافظات.
وبينما تتواصل المعارك السياسية داخل المجالس المحلية، تبقى الأسئلة قائمة حول مدى قدرة النظام الحالي على تحقيق الاستقرار، وسط انعدام الثقة بين الأطراف المتنافسة، واستمرار التدخلات السياسية التي تعيق عمل السلطات المحلية.