صمت رسمي.. إتهامات لسورية بالتنقيب في المياه الإقليمية اللبنانية
مرصد مينا – هيئة التحرير
بعدما كانت أنظار اللبنانيين تتجه جنوباً لمتابعة المفاوضات التي كانت قائمة بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي بوساطة أمريكية لترسيم الحدود البحرية، تتحول اليوم شمالا، وتحديدا الى ملف ترسيم الحدود مع الجانب السوري، خاصة بعد إقدام الأخير على التعدي على بلوك بحري يتداخل مع الرقعات البحرية اللبنانية في البحر المتوسط، حسبما يقول مراقبون.
وفي وقت تظهر ملامح أزمة حدودية جديدة بين لبنان وسوريا، إثر مصادقة الحكومة السورية على عقد مع شركة روسية للتنقيب عن النفط في البحر المتوسط، في منطقة تضم بلوك لبناني،. ينتقد لبنانيون صمت حكومتهم على الرغم من مرور أسابيع على توقيع الاتفاق السوري- الروسي، في حين تتعالى أصوات شخصيات سياسية، مطالبةً باللجوء إلى محكمة العدل الدولية، إن لم يرض نظام “بشار الأسد” بتحكيم دولي، موجهة للنظام السوري تهمة محاولة قضم 750 كم2 من المياه اللبنانية.
في منتصف شهر آذار \ مارس، وقعت وزارة النفط السورية مع شركة “كابيتال” الروسية، عقداً تمنح بموجبه الدولة السورية الشركة الروسية حقاً حصرياً في التنقيب عن البترول وتنميته في البلوك البحري رقم 1، في المنطقة الاقتصادية الخالصة لسوريا في البحر المتوسط، مقابل ساحل محافظة طرطوس، حتى الحدود البحرية السورية – اللبنانية، بمساحة 2250 كيلومتراً مربعاً.
وعلى الرغم من أن البلوك السوري رقم 1 يتداخل مع الرقعتين اللبنانيتين 1 و 2 ، لم تصدر السلطات اللبنانية أي تعليق رسمي حول العقد، حتى لحظة إعداد هذا التقرير، فيما تؤكد مصادر دبلوماسية لبنانية أن الملف لم يطرح أبداً في وزارة الخارجية للتحرك باتجاه سوريا أو مراسلتها حول هذا النزاع الحدودي في منطقة لم تخضع للترسيم قبل ذلك.
غياب الموقف الرسمي يفقد لبنان حقوقه
الباحثة اللبنانية والخبيرة في مجال حوكمة النفط والغاز في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا “لوري هايتايان”، تؤكد أن هناك تداخل بين 750 و1000 كيلومتر مربع، قد يكون في هذه المساحة موارد غازية للبنان، لافتة إلى أن الحكومة اللبنانية لم ترسل حتى اللحظة أي رسالة اعتراض أو شكوى إلى السلطات السورية، كما لم تطالب بتوضيحات حول البلوكين رقم واحد واثنين ومكان الحفر وطبيعة العقد بشكل عام، للقيام بخطوات استباقية أو رادعة للحيلولة دون حصول اعتداء.
وبالرغم من إقرارها، أن ترسيم الحدود مع سوريا أكثر صعوبة من ترسيمها مع إسرائيل، لأنه معقد أكثر وتتداخل فيه السياسة والتقسيمات، لم تخفِ “هايتايان” مخاوفها من غضّ السلطات اللبنانية النظر عن حقوق لبنان من المياه المتداخلة مع البلوك السوري، مشددة على ضرورة ترسيم الحدود بين البلدين.
وتقول “هياتيان”: “على الحكومة اللبنانية أن ترفع شكوى لدى السلطات السورية أو أقله تراسل الجانب السوري لتستوضح منه ما يحصل وتعلمه أنها إزاء هذا الأمر هي مضطرة للتحرك حفاظاً على حقوقنا، فإما أن تمتنع الشركة عن الدخول إلى البلوك 1و2 داخل الحدود اللبنانية وإما ندخل في مفاوضات مباشرة وإن كان هناك مشكلة في المفاوضات المباشرة فبإمكان الجانب الروسي أن يقوم بهذا الأمر”.
بدوره، يذهب المحامي اللبناني “خلدون عيتاني” إلى ما ذهبت إليه “هياتيان”، منتقدا الصمت الحكومي اللبناني ومطالبا الحكومة المؤقتة بالاستنفار، على اعتبار أن توقيع عقد التنقيب، في البلوك السوري والمتداخل مع المياه الإقليمية اللبنانية، انتهاكا صارخا لمياه لبنان الإقليمية، ثرواته الوطنية التي يمكن أن يفقدها اللبنانيون اليوم، وهم بأمس الحاجة إلى رافعة اقتصادية تنتشل بلدهم من الانهيار المالي.
ويقول “عيتاني”: “الخرائط تبيّن تداخلا في البلوك رقم 1 بين المياه اللبنانية والسورية على مساحة 750 كم²، وهذا الأمر يستدعي طلبا عاجلا من الحكومة اللبنانية من أجل ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، كما فعلت الدولة اللبنانية مع إسرائيل جنوبا”، موضحا أن أنه يمكن للدولة اللبنانية أيضا أن تطلب تدخلا من الأمم المتحدة من أجل وقف عملية التنقيب والإشراف على موضوع ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وسوريا، وهذا المطلب هو حق مشروع في العلاقات الدولية، إذ لا يجوز إبقاء الوضع معلّقا، ولا سيما إذا كان سينتج عنه نزاعات اقتصادية أو أمنية، على حد تعبيره.
يشار الى أن المنطقة البحرية الحدودية مع سوريا، تعد نقطة نزاع منذ عام 2011، بعد أن حدد لبنان بشكل منفرد النقطة الحدودية رقم 6 إلى الأمم المتحدة في عام 2010، وأعاد تصحيحها في عام 2011 بتثبيت النقطة رقم 7، وأبلغت إثرها الأمم المتحدة بها، بالتزامن مع تحديد النقطة البحرية الجنوبية رقم 23.
وبعد أن رسّم لبنان منفرداً، وبشكل مؤقت، حدود منطقته الاقتصادية الخالصة الشمالية، عمد نظام “بشار الأسد” إلى القيام بالممارسة ذاتها لجهة ادعاء ملكية قسم من المنطقة الاقتصادية الخالصة العائدة للبنان.
واعترضت دمشق على الترسيم اللبناني المنفرد لمنطقته الاقتصادية الخالصة في الشمال، عبر إرسال رسالة احتجاج إلى الأمم المتحدة في عام 2014
جعجع يدعو لتحرك دولي ضد اعتداء الأسد
في ظل الصمت الحكومي الرسمي، دعا رئيس حزب القوات اللبنانية “سمير جعجع”، سلطات بلاده إلى مراسلة الأمم المتحدة لترسيم الحدود البحرية مع سوريا، أو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية، إن لم يرض الأسد بتحكيم دولي “حبي”، متهما النظام السوري بمحاولة قضم 750 كم2 من المياه اللبنانية.
كما طالب “جعجع” كلا من الرئيس اللبناني “ميشال عون”، و الحكومة “حسان دياب”، والقوى السياسية إلى تكليف مكتب محاماة بإرسال إنذار إلى الشركة الروسية لإبلاغها بأن البلوك السوري يتداخل في الحدود اللبنانية، مشددا على ضرورة مراسلة الأمم المتحدة، والذهاب نحو طاولة تقنية مع السوريين، أو اللجوء إلى تحكيم دولي أو محكمة العدل الدولية، إن لم يرض الأسد.
تعليقا على ذلك، يقول “عيتاني”، إن الحكومة اللبنانية الخاضعة كليا أو بنسبة كبيرة الى سيطرة “حزب الله” لن تقدم على مثل هذه الخطوة لاعتبارات سياسية، مضيفا أنه “مع الأسف، فمنذ تشكيل حكومة حسان دياب كان واضحا لغالبية اللبنانيين أن هذه الحكومة جاءت من أجل تأمين الموارد المالية للنظام السوري وعلى حساب الاقتصاد الوطني اللبناني، وعلى حساب الأمن الاجتماعي لجميع اللبنانيين، من خلال تأمين مسالك تهريب المواد الأساسية المدعومة من جيوب اللبنانيين، وصولا إلى هذه الفضيحة الجديدة التي لم تحرك السلطات في لبنان أي ساكن تجاهها، وكأن ثروات لبنان وشعبه باتت مشاعا لفاسدي الداخل والخارج”.
ترسيم الحدود أصبح مصلحة روسية
يرى المحلل الاقتصادي “علي الحلبي”، ان روسيا ستستهل عملية ترسيم الحدود اللبنانية السورية لأن لديها مصلحة اقتصادية في الأمر، لا سيما أن شركة “نوفاتيك” موجودة في البحر المتوسط، وبدأت العمل بالفعل على استخراج الغاز من البلوكات في لبنان، وقد يكون لديها دور في البلوكات الموجودة في سوريا، وعليه ستكون هناك مصلحة لترسيم الحدود البحرية، ويمكن أن تلعب روسيا دوراً إيجابياً لتسريع هذه المهمة، مشيرا الى أن موسكو كانت اقترحت في وقت سابق، التدخل لإنهاء مشكلة ترسيم الحدود بين البلدين.
وكانت روسيا وعلى لسان مبعوثها إلى سوريا، “ألكسندر لافرينتيف”، أبدت في شهر يونيو عام 2019، استعدادها للدخول في وساطة بين لبنان وسوريا بشأن ملف ترسيم الحدود البحرية بين البلدين.
“لافرينتيف” كشف حينها، أن “هناك رغبة من الجانب اللبناني في أن تقدم روسيا خدمات الوساطة في شأن ترسيم الحدود مع سوريا، وسنحاول بالطبع العمل في هذا الاتجاه”.
بالإضافة الى الحدود البحرية، لا تزال قضية ترسيم الحدود البرية بين سوريا ولبنان معلقة، على الرغم من طرح المسألة للمرة الأولى قبل 15 عاماً، وذلك خلال طاولة الحوار التي عقدها الرئيس نبيه بري في البرلمان في ربيع عام 2006، لترسيم الحدود المشتركة بين البلدين على امتداد 357 كيلومتراً.
وبقي ترسيم الحدود عالقاً، رغم تشكل لجنة مشتركة أُوكلت إليها مهمة ترسيم الحدود بعد قيام رئيس الحكومة آنذاك الرئيس سعد الحريري بزيارة دمشق في عام 2010.