ضبضبوا عتادكم وارحلوا
وقعت هزيمة (5 حزيران)، وكانت هزيمة بكل مقاييس الهزيمة.. هزيمة للشعارات الفضفاضة، كما هزيمة لمن يطلق عليهم (القيادات التاريخية)، كما انكسار حاد في الوجدان العام للناس، كل الناس في المنطقة العربية الذين كانوا يرددون (رمي إسرائيل في البحر).
بعد الهزائم عند الساموراي، يقوم القائد المهزوم بغرز السيف في صدره، غير أن هزيمة العسكر على الجبهات الثلاث (سوريا / الأردن / مصر)، تحوّلت إلى (هزيمة عسكرية ونصر سياسي) في سوريا، كما تحوّلت إلى تظاهرات في مصر هتف فيها الناس (ح نحارب ح نحارب)، وكلنا يتذكر فلم العصفور ليوسف شاهين، ما يعني أن الزعامة المصرية ابتلعت الهزيمة على وعد انتصارات مقبلة، فيما الزعامات السورية التفت على االخازوق كي لاتركب عليه.
الهزيمة بقيت واتسعت، والانتصارات المقبلة لم تأت، وكل ما أتى هو تغوّل العسكر في حياة الناس حتى باتت العسكرة سمة المجتمعات بدءًا من أطفال المدارس وصولاً لربات المنازل، وكلما ارتفعت عسكرة المجتمعات، أجهضت التنمية، وزادت نسبة الفقر، وتعمم الفساد حتى بات هذه الدول تحمل سمة الدولة الفاسدة، دون أن ينافسها أحد على الفساد.
واليوم؟
بعد ما يزيد عن نصف قرن من هزيمة 1967، ما يزال العسكر يجثمون بثقلهم على صدور الناس، وتحت يافطة:
ـ محاربة إسرائيل.
وتحت هذه اليافطة ألغيت الحياة الديمقراطية وشلّت ارادات الناس، حتى باتت مقاومة إسرائيل تعني الغاء الناس، وعزل الناس عن السلطة، والتحكم بالسلطة من مافيات الأنظمة وفاسديها، وهكذا لم تنجز هذه الأنظمة بلدانًا محاربة، كما أجهضت احتمال صعود دولة المواطنة، فلا هي محاربة ولا هي مواطنة، وكل بقائها بات مرهونًا لبقاء الثكنة، مستمدة شرط بقائها من مقولة العدو، وبدلالة العدو، ليتبين في كل لحظة أن عدوها هو شعوبها، وسلاحها موجه إلى شعوبها، وانتصاراتها على شعوبها، وشعوبها فقط.
استذكار (5 حزيران) يستدعي اعادة صياغة المفاهيم، واستعادة الأولويات، وبالمقارنة فهذه إسرائيل التي لم تخسر حربًا، هي نفسها إسرائيل التي لم تلغ مواطنها، ولم تلغ ارادة مواطنها، وها نحن نتابع وقائع محاكمات رئيس إسرئيلي يقبع في السجن لمجرد قبوله بهدية ليصنّف على الفاسدين.
ـ اليوم.. ما الذي تبقّى للعسكر العرب أن يقولونه؟
إذا كانت الحرب تمنح مشروعية لهم فهم لم يحاربوا، وحين حاربوا هزموا، وإذا كانت التنمية تمنح مشروعية، فلقد أغرقوا بلدانهم بالتخلف فأخرجوها من الزمن، وإذا كانت ارادات الناس هي من تمنح المشروعية، فإرادات الناس باتت في بلدان اللجوء والنزوح والسجون، فما الذي يبقي للثكنة قيمة أو دور أو مشروعية؟
ـ كل ماتبقى هو أن نقول لهم:
ـ ضبضبوا عتادكم الحربي وارحلوا.