طهران” تفرض عقوبات على “واشنطن”.. تلك هي المهزلة الأمريكية
نبيل الملحم
واضح أن إيران قد انتقلت إلى “ابتزاز” الإدارة الأمريكية حتى باتت خارجيتها تحكي عن “عقوبات على الولايات المتحدة”، وواضح ايضًا أن هذا الابتزاز قد ادركه الوفد الامريكي المفاوض في فيينا بشأن طريقة التعامل مع إيران وملفها النووي، وهو ما أدى إلى انسحاب عدد من المفاوضين البارزين وعلى رأسهم نائب المبعوث الأميركي الخاص لإيران ريتشارد نيفيو.
كل ما امتلكته الإدارة الأمريكية الراهنة، والإدارات السابقة عليها منذ مرحلة “رهائن الخميني” إلى اليوم، هو الحرب على إيران بـ “العقوبات”، والعقوبات بلاشك ستبدو نكتة هزيلة، فهي “تعيق” ولا “تجتث” أو “تقتلع” الملالي بسلطتهم وامتداداتهم، ولنا من التاريخ البعيد والقريب الكثير من الامثلة.
ـ مورس الحصار والعقوبات على القذافي قرابة اربعين سنة، ولم يعبأ القذافي بالعقوبات، بل أطلق حملة “معاداة” الدجاج المستورد، حتى فرض على الليبيين مبيت الدجاج في غرف نومهم، فتحوّلت العقوبات إلى نكتة شعبية من جهة، وإلى مأثرة للقذافي وقد اكتشف الدجاج بما له وما عليه من جهة أخرى، ومن بعدها اطلق نظرية “الدجاج يتكاثر بالإباضة”.
ـ مورس الحصار على تشاوشيسكو، ومع الحصار أطلق قصره بالغ الضخامة حتى أنه جرّف خُمس أراضي بوخارست لإشادة قصره إياه، فيما الرومانيين يتآكلهم الجوع، ولم يعبأ بالعقوبات.
ـ مورس الحصار على كيم إيل سونغ وكوريا الشمالية، فكان أن بلغ استهلاك “كيم” من الكونياك (800) ألف دولار سنويًا عداك عن الخمور الأخرى، ومع خموره انطلقت أسطورة “كيم” الذي مشى وعمرة 13 يومًا، وأجاد اللغة بعد ولادته بـ”ثلاثة أسابيع”، وألف (1500) كتابًا يقولون انها من أمهات الكتب، مع أنه جحش الصف، وواحد من معضلات الغباء في تاريخ كوريا، وأضافت له الأسطورة أنه ليس بشري كما كل البشر، والدليل أنه لايطلق فضلات بشرية ولا يستخدم المرحاض أبدًا.
ومن قبل هذا وذاك مورس الحصار على ماوتسي تونغ، فكانت المجاعة الصينية التي أطاحت بالملايين، دون أن تردع “ماو” عن ما أسماه بـ “القفزة العظيمة”، دون أن ترتخي قبضته على الصين.
ومن قبل “ماو” حوصر جوزيف ستالين، فاستغل المجاعة العظيمة في “أوكرانيا” بعد موت الملايين، وكانت قبضته مابعد الحصار أشد وطأة مما كانت عليها قبلها.
وبالوسع المزيد من الأمثلة وصولا إلى عيدي أمين في غينيا، و “يايا جاميه” في غامبيا، وتجارب الحصارات لم تتوقف وربما الحصار على بشار الأسد سيكون من أقرب الأمثلة، وهو حصار على الناس السوريين، دون أن يطال أي من العائلة وقد بات لسيدة قصره من الكنادر مايساوي ميزانية دولة ناشئة، وبالمحصلة استثمر هذا وذاك الحصار للصراخ بوجه شعوبهم:
ـ الولايات المتحدة أجاعتك.
ومع صراخهم هذا (الهموا) شعوبهم بمواجهة (الامبريالية) حتى بات جوع الناس حليفًا في تغولهم على الناس والخبز والسلطة.
فما قيمة الحصار.. ماقيمة العقوبات سوى إجاعة الناس، وتوطيد طغيان الطاغية؟
عندما تريد أن تحكم إلى الأبد، يمكن للجوع أن يكون له مزاياه، فالفقراء والجوعى والمحرومين لن يشكلوا تهديدًا للطاغية.
اقتلع القذافي بقوة السلاح، واقتلع تشاوشيسكو بالأداة نفسها، ولن يقتلع “كيم” بسواها وكذا حال الملالي وحراسهم.
وحدها السياسة الأمريكية عرجاء.
هي اليوم عرجاء وبالأمس كذلك، وبعرجها هذا سمحت للإيراني أن يقول للأمريكاني:
ـ سنفرض عقوباتنا عليك.
تلك هي المهزلة الأمريكية.