“فراس رفعت الأسد”يكشف سر أبيه
مرصد مينا
كشف “فراس رفعت الأسد” ابن عم بشار الأسد عن محاولة قتله من قبل والده في جنيف كما كشف في منشور عبر صفحته على الفيسبوك عن رفضه لقاء ضابط اسرائيلي بطلب من أبيه.
فيما يلي نص المنشور كما ورد على صفحته:
“لقد كتبت أشياء كثيرة و محيتها في اليومين الماضيين، كان الاسترسال يأخذني من مكان إلى آخر، و كنت و كأنني أكتب كتابا و ليس منشورا.. و أنا أعرف أساسا بأن الأغلبية لا يحبون القراءة فقررت أن أكتب هذا المنشور الذي أقول فيه الكثير من دون أن أكثر من الكلام.
في جنيف السويسرية
حزيران ١٩٩٨..
كنت مرميا على الأرض في الحديقة التي تقع أمام بيتي الذي سكنت فيه طيلة أربعة عشر عاما من حياتي، و كان البيت يقع في منطقة ريفية..
كانت الشمس قوية يومها و لكن أشعتها لم تكن تزعجني، عيني اليسار كانت مغلقة تماما بالدماء، وعيني اليمين كانت مفتوحة بعض الشيء..
كنت مكبل اليدين خلف الظهر، و كنت كلما حاولت الوقوف تأتيني ركلة قوية على ظهري أو على بطني..
كان الصعق بالكهرباء، و حفلة الضرب و اللكمات و الركلات قد انتهت داخل البيت، و كنت قد حُمِلت إلى الخارج في ظل الصراخ الهستيري لرفعت الأسد و أوامره: احملوه ع السيارة لشوف.. احملوووووه
و كان قد قال لهم قبل ذلك أن يأخذوني إلى السيارة، و يقتلوني داخلها، ثم يرمون بي إلى قاع البحيرة التي كانت تقع على مسافة حوالي المائة متر من البيت..
و هم يحملونني إلى السيارة عبر الحديقة صرخت بأعلى صوتي: “أنت جباااان.. أنت جبان..” فصرخ بهم قائدهم أن يتوقفوا، ثم طلب منهم أن يرموني على الأرض، ثم بدأ يركلني بقوة و شراسة عجيبة و كأنه كان يضربني للمرة الأولى، و كأنه لم يكن قد اكتفى من اللكمات الكثيرة التي وجهها لي في داخل البيت!!
“مين الجبان ولااااك”..
“مين الجبان يا كلب”..
“مين الجبان يا حقير”..
كنت أتألم كثيرا، و لم أكن أريد الرد، كنت أقول في نفسي لربما يشبع من الضرب و يمتنع عن قتلي.. لم أكن خائفا من الموت، و لكني لم أكن أريد أن أموت في ذلك اليوم المشمس الجميل..
كان يضرب بقوة و يكرر السؤال: “مين الجبان؟”.. و أنا كنت سعيدا بعدم الرد حتى أطيل الوقت الذي يفصلني عن الموت.. كنت أقول في نفسي لربما يأتي زائر فجأة، أو لربما يأتي البوليس الذي كان هنا في الليلة الفائتة..
لم ينقذني يومها من الموت سوى خوف زوجته رجاء بركات على ابنها سوار الذي كان سوف يتهم حتما بعملية القتل لأن الشرطة السويسرية كانت قد أخذت اسمه في الليلة التي سبقت وصول أبيه إلى جنيف عندما قام بعملية سطو على منزلي بصحبة العديد من العناصر الذين قدموا معه من باريس، و سوار لم يذهب يومها إلى السجن لأنني بررت لهم وجوده بطريقة تحميه من ذلك المصير المحتوم، و لكن، و باعتبار أن هناك من اتصل بالشرطة للحضور فقد أصروا على تسجيل أسماء سوار و من كان معه و قد كانت أشكالهم مريبة بالنسبة للشرطة بطبيعة الحال.
وصل الألم من شدة الضرب و الركل إلى حد لم أعد معه أطيق التحمل، كان فمي ينزف الدم كالشلال و كنت أحاول أن أرفع رأسي لأنظر إلى وجه الرجل الذي كان يفترض أنه “أبي”..
رآني أحاول أن أنظر إليه فتوقف عن الضرب، و صرخ قائلا: “شو.. مين الجبان يا خنزير؟”..
فقلت له: “أنت”..
فصرخ: حسين!.. اقتلو هون.. اقتلوووووو
قام المدعو حسين أسعد -جنسيته فرنسية- بوضع مسدسه على رأسي بعد أن وضع رصاصة في بيت النار، و لكنه لم يطلق النار فورا.. تردد و نظر إلى قائده و انتظر الأمر بالتنفيذ، و في اللحظة التي رأيت فيها والدي يهم بإعطاء الأمر أغمضت عيني و تذكرت أمي و قلت لها في قلبي وداعاً..
و لكن صرخة رجاء بركات أرجعتني إلى الحياة مجددا، قالت: “يا رفعت.. الشرطة كانوا هون امبارح و أخدوا اسم سوار.. فكر منيح”!!
و حقيقة الأمر أنني مدين بحياتي لسائقي الوفي، الشهم، الفارس النبيل غياث داوود، ابن قرية سقوبين العظمى، الذي كان هو من اتصل بالشرطة و أبلغهم عن عملية اقتحام سوار و عصابته للمنزل فلولا قدوم الشرطة في تلك الليلة، و تسجيل اسم سوار، لكنت اليوم أسكن قاع تلك البحيرة الجميلة التي لطالما تمشيت على ضفافها و جلست على رمالها و أطعمت طيورها من خبز بيتي.
تكملة الحكاية و أسبابها و تفاصيلها سوف أرويها لاحقا في إطار روايتي لذكرياتي و لكنني أحببت أن أبدأ من هذه الحكاية لأنها لم تكن فقط منعطفا هائلا في حياتي بل كانت بداية لحياة جديدة تماما لا تشبه في أي شيء حياتي السابقة..
حتى تلك اللحظة في جنيف، و أنا في الثانية و الثلاثين، لم أكن أعرف من الحياة سوى الخوف و الرعب، كانت حياتي بائسة تماما، كان والدي قد شكل لي على مدى تلك الحياة كلها مصدرا للشقاء و منبعا لليأس و مستقرا للأحزان. عندما أتذكر تلك الحياة بتفاصيلها، و أحلل شخصيتي في تلك الفترة، أصل إلى قناعة مطلقة بأنني كنت مريضا نفسيا بامتياز، كنت انطوائيا جدا، و كنت أكلم نفسي أحيانا في عتمة الليل، كان صوت والدي على الهاتف يرعبني، و كان كلامه يشعرني بالإهانة حتى لو كان يسألني عن أحوال الطقس، كان جبروته طاغيا و كانت وحشيته قد ابتلعتني تماما منذ أن كنت طفلا صغيرا و كنت أراه و هو يضرب أمي بالعصا لمجرد أنها اعترضت على رأيه في أمر صغير، و كنت عندما أرتمي عليها لأمنعه من ضربها كان ينهال ضربا بالعصا على جسدي.
كانت جنيف، و كان ذلك التاريخ، هي المرة الأخيرة التي أرى أو أسمع فيها صوت ذلك الرجل الذي أدمى روحي على مدى اثنين وثلاثين عاما. هربت منه إلى حياة جديدة تماما ساعدتني على بنائها زوجة رائعة كانت و ما زالت بالنسبة لي هي الحبيبة و الصديقة و الأخت و الأم و كل شيء جميل في هذه الحياة، و كان الله كريما معي و منحني أربعة أولاد هم اليوم مضرب للمثل في هذا المجتمع الذي نعيش فيه بأخلاقهم العالية و سلوكياتهم الراقية و تفوقهم في الدراسة، و كان لي عظيم الفخر و الاعتزاز بأن أرى صورة ولدي البكر مضر معلقة في أرجاء المدينة كصاحب المركز الأول في امتحان عام شارك فيه خمسة وعشرون ألف طالب.
نعم، لقد أكرمني الله بعد أن كنت قد فقدت كل أمل في هذه الحياة.
لماذا اخترت هذه المقدمة لهذا المنشور، و ما علاقة حياتي الشخصية بالسوريين و قضاياهم..؟؟
لها كل العلاقة..
و سوف أروي لكم حكاية شخصية أخرى لها أيضا كل العلاقة..
تواصل معي منذ بضعة سنوات ضابط برتبة صغيرة من آل الأسد، و كان هذا الضابط يجلس في حضني عندما كان طفلا صغيرا و كنت ألاعبه و أقبله و أحبه من كل قلبي، و كان أبيه من رفاق الطفولة الأولى و كان عزيزا و غاليا، تواصل معي من أصبح اليوم ضابطا في الجيش السوري ليسألني عن مواقفي من النظام و كتاباتي التي كان يستغربها كثيرا..
سوف لن أطيل بذكر تفاصيل المحادثات لأن العبرة كلها في النهاية..
طالبني بأن أشرح له موقفي، فسألته ان كان شرحي له ينهي المسألة بيننا و يرضيه؟ فقال: المهم أن تكون صادقا معي! فقلت له بأن أولادي الأربعة لم يكذبوا كذبة واحدة في حياتهم و أنا من علمتهم قدسية الصدق، و اذهب و اسأل أباك قبل أن تقول ما تقول، فقال نعم أصدقك فيما تقول..
قلت له و ماذا يحدث ان شرحت لك موقفي، و كيف أفكر، و لماذا أقف هذا الموقف، و جاء الرئيس و قال لك بأن فراس خائن فلا تصدقه.. اذهب إليه و اعتقله؟
قال: أصدق الرئيس.. و لو طلب مني أن أعتقل أبي لاعتقلته!! فقلت له إذاً لا داعي لأي شرح.. ان كنت تريد أن تعرف موقفي فاسأل الرئيس مباشرة طالما أن كلامه قرآن كريم لديك، و طالما أنه يعرف كل خفايا البشر، و طالما أنه الصادق الأمين!!
هذه حكايات شخصية، و لكن لها كل العلاقة بما حدث و يحدث في سوريا..
تقديس حافظ الأسد بين العلويين كانت جريمة ارتكبها النظام و مشايخ الطائفة بحق العلويين و من خلالهم بحق سوريا كلها..
أولئك الذين ضربوني و عذبوني و أدموا وجهي و جسدي كله في جنيف و كانوا على وشك قتلي.. هؤلاء كانوا جميعهم من العلويين، و لكنهم كانوا ينفذون أوامر القائد، فالقائد أوامره مقدسة..
“قرد القائد ميقول أنك خاين معناها هنت خاين..”
هكذا، و بكل بساطة، تسحق حياة الأبرياء، على يد العبيد و الأغبياء، و بإشارة صغيرة من الطاغية المقدس صاحب الأمر و الولاء.
القائد هو من يعرف الحق، و هو من يقول الحقيقة، و هو من يصنعها أيضا، لأنه ان كذب فقد تبدلت الحقيقة بكذبه ليصبح الكذب هو الحقيقة.. فالقائد لا ينطق عن الهوى..
علما بأن القشة التي قصمت ظهر البعير بيني و بين رفعت الأسد، القشة التي دفعتني إلى التمرد النهائي عليه، القشة التي قررتُ بأن تكون هي المحطة الأخيرة مع هذا الرجل مهما كان الثمن غاليا حتى لو كان موتي.. أنني رفضت الاجتماع في جنيف بمسؤول إسرائيلي سابق!!
نعم، أقولها و لينصدم من ينصدم، و لتنطحوا رؤوسكم بألف حائط، هذه هي الحقيقة، و هذا هو الواقع الذي تستطيعون أن ترفضوه ان شئتم، و تستطيعون أن تبقوا على جهلكم مدى الحياة ان شئتم، و لكن لا سبيل أبدا إلى منع الحقيقة من الظهور ف الاختباء من الشمس لا يعني بأن الشمس قد انطفأت، و نور الحقيقة لا صاد له و لا غطاء..
و أزيدكم عليها أن رفعت الأسد عندما انتفضت في وجهه و رفضت لقاء الإسرائيلي قال لي: و لك حمار لتكون مفكر النظام ما بيحكي مع الإسرائيليين، لك انت حمار لهل درجة؟!!!
هذه هي حكاية سوريا و ما حدث فيها..
تقدس حافظ الأسد، و تقدس بمعيته رفعت الأسد، و محرك آلة التقديس كانت أجهزة الأمن التي صنعت حلفا شيطانيا مع رجال الدين العلويين من أصحاب النفوس الصغيرة الذين اشترتهم و سيطرت عليهم بالكثير من الطرق. و ساعد في ذلك التقديس حلف آخر نسجته أجهزة الأمن مع رجال الدين من الطوائف الأخرى، و خاصة مع مشايخ أهل السنة، الذين كان دورهم التغطية على مسيرة التقديس و مباركتها و التسهيل لها من خلال إضفاء صفات الأنبياء و القديسين على حافظ الأسد. و ساهم أيضا في مسيرة التقديس طبقة كبيرة من التجار و أهل المال الذين رحبوا بدولة الفساد الناشئة في سوريا فتحالفوا معها و كانوا جزءا أساسيا منها.. و أغلبية تجار دمشق وحلب الكبار، و باقي المحافظات أيضا، كانوا، و ما زالوا، يرتبطون بعلاقات وثيقة بضباط الأمن و المخابرات.
طبعا، كان أصل التقديس و فصله، هو الدبابة و المدفع، و العنف المفرط، و الشراسة في التعامل مع المشككين أو الرافضين لحكم الاستبداد، و لكن كل تلك الجهود الجبارة للنظام، و على جميع المستويات، مع نشر ثقافة الفساد و المحسوبيات و الاستزلام في كل مناحي الحياة، قد أنتجت واقعا عجيبا في سوريا، واقعا مريضا و مجتمعا مشوها، فسقطت الأخلاق لدى الكثيرين و تشوهت القيم و انقلبت المبادئ و تغيرت الثوابت.. فأصبح أرذل السوريين هم أسياد البلد، و أصبح الشرفاء لا يجدون مخبئا مناسبا يلجؤون إليه. جمع هذا النظام أرذل البشر، جمعهم من كل الطوائف، و من كل القوميات، و من كل المناطق، و صنع منهم و معهم آلة شيطانية كبرى حكمت سوريا بالحديد و النار، و بالفساد و الإفساد، و بضرب أسس المجتمع الأخلاقية و قلب مفاهيم الشرف و النبل و الفروسية.
وأقول بين قوسين..
عندما خرج رفعت الأسد من دمشق بعد الصراع على الخلافة، خرج و معه مائة مليون دولار نقدا، و معه الكثير من الذهب و الآثار، و كانت كلها معبأة في حقائب و صناديق خاصة. و لم يرضى رفعت الأسد بالخروج من سوريا قبل أن يرسل ولده دريد إلى جنيف ليكلمه من هناك و يؤكد له على وصول المائتي مليون دولار التي تم تحويلها مباشرة من البنك المركزي السوري إلى البنك السويسري، و لولا هذه الأموال التي حولت إلى جنيف، و لولا تلك الحقائب الكثيرة التي سمح له بإخراجها، لما كان رفعت الأسد ليقبل الخروج من دمشق بتلك السهولة.
أي أن حافظ الأسد اشترى السلطة، و رفعت الأسد باع الوطن.. و يا ليت حافظ الأسد اشترى الوطن و يا ليت أخيه باع السلطة..
في السنوات العشر الأخيرة فقط أدركت و فهمت لماذا كان القدر يمد في عمري برغم ملامسة الموت لي ستة مرات في حياتي.
لقد كان يخبأ لي دورا جميلا في هذا الوجود.. أن أحمل الحقيقة على كفي الأيمن، و أحمل روحي على كفي الأيسر، و أسير بين الناس و أنادي..
اصحوا يا أخوتي.. اصحوا يا أخوتي”..