فضل شاكر.. ربحه المحبون وما خسره المؤمنون
أن تحقق أغنية ما يقارب الثلاثة ملايين مشاهدة خلال نحو أسبوع، فهذا لعمري لهو أقوى وأوضح استفتاء على محبة الناس الكبيرة لفضل شاكر، وربما براءته، خصوصاً بعد أن برأته محكمة لبنانية في تموز عام 2018 من تهمة تشكيل عصابة مسلحة، والقيام بأي أعمال إرهابية، وسلب أموال الناس.
ولكن الرجل مازال لديه حكم غيابي من القضاء العسكري يقضي بسجنه خمسة عشر عاماً على خلفية مشاركته في ما بات يعرف بأحداث عبرا، وهي المعركة التي استدرجت فيها ميليشيا حزب الله عبر أذرعها في الجيش اللبناني الشيخ احمد الأسير إلى قتال مع الأخ عام 2013.
فضل شاكر الذي كان حينها معتزلاً الفن، ومنضماً لجماعة الشيخ السلفي أحمد الأسير، متهمٌ بالمشاركة في تلك المعركة، وإن كانت مشاركة إعلامية فقط، بكل الأحوال القاصي والداني يعلم أن الإعلام في لبنان مسيس من بابه لمحرابه، فمجرم مثل ميشيل سماحة ضُبط بالصوت والصورة وهو يعد المتفجرات لتفجيرها في الكنائس والمساجد.
إضافة إلى إدانته بتشكيل عصابة مسلحة لاغتيال شخصيات سياسية وميدانية، خرج من السجن خلال عدة سنوات، مقابل كفالة مالية.
ليس هذا موضوعنا، ما يهمنا هو فضل شاكر الذي عاد للغناء بعد اعتزاله عام 2012، شاكر كان قد أعلن قبل ذلك بسنوات نيته الاعتزال عقب انتهاء عقده مع روتانا، وتحديداً عام 2008، أثناء مشاركته في برنامج (تاراتاتا)، جاء موعد انتهاء العقد مع بدايات انطلاق الثورة السورية.
حيث عبر ملك الإحساس عن تأييده المطلق لها، والجميع يتذكر دعاءه على بشار الأسد في حفلة مهرجان موازين في المغرب، دون أي خوف من ما قد يناله جراء ذلك، والجميع يعرف أذرع النظام وميليشيا حزب الله الطويلة والتي طالت كل اللبنانيين المعارضين، ولولا صدق أحاسيسه لاكتفى ببعض الإشارات المستنكرة كما فعل بعض الفنانين، أو لاذ بالصمت حرصاً على الشعبية، مثل غالبية الفنانين العرب.
كان يكفي لملك الإحساس أن يكون إلى جانب الثورة السورية بصوته الجميل ومواقفه الإنسانية النبيلة، دون أن ينجر للجماعات السلفية، وحينها كان سيخدمها أيما خدمة، الانعطاف الحاد لفضل شاكر من ليالي الطرب والسهر التي توصف بالحمراء، إلى الالتزام مع جماعة الأسير السلفية يذكرني بعدد من الأصدقاء الذين كانوا يعيشون حياة اللهو بكل تفاصيلها.
بعد ذلك تابوا والتزموا بالنهج السلفي لفترة بسيطة، ثم ما لبثوا ان خلعوا هذا النهج وعادوا سيرتهم الأولى، فالانتقال من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، لا يستطيع كثيرون المحافظة عليه.
عاد فضل شاكر عن اعتزاله الغناء عام 2018، وكانت عودته ميمونة، بدأها مع أغنية ” بديت اتعافى من جرحك بديت أطيب” وجاءت كتمهيد لعودته للساحة الفنية التي ظل لسنوات من ألمع نجومها، وكان المنعطف مع أدائه أغنية مسلسل “أقوال أخرى” التي لعبت بطولته يسرى، إذا تراجعت الشركة المنتجة عن أداء شاكر للشارة.
ولكن الأغنيةَ بقيت على اليوتيوب لتحصد ملايين المتابعات، الاغنية الثانية التي طرحها فضل وكانت علامة فارقة هي ” ليه الجرح” والتي تكلم فيها عن خذلان الأصدقاء وتنكرهم، وكأنه يصف حال الثورة السورية، التي لم يبعها أصدقاؤها-الذين كانوا يُسمون حينها بأصدقاء الشعب السوري- سوى الكلام والكلام فقط، يُشبه وضع فضل وضع الثورة السورية، التي أخطأت في بعض الأحيان في خياراتها واصطفافاتها.
قنبلة الموسم كانت أغنية ” يا ترى” التي كتب كلماتها أحمد ماضي ولحنها زياد يوسف، وفيها عاد فضل شاكر من مخبأه، إلى صدارة المشهد الفني، حيث حصدت الأغنية ما يقارب الثلاثة ملايين مشاهدة خلال نحو اسبوع، وكأن هذه الأغنية لامست شيئاً مفقوداً عند الجماهير العربية، المتعطشة للعودة للحب، بعد أن أُبعدت عنه طيلة سنوات الربيع العربي، وما رافقها من خذلان، وانتهاكات ومتاجرة، ومزايدات، ومحاولة للخروج من الواقع الحالي إلى واقع أفضل.
رغم الحملة الشعواء التي يشنها الإعلام البترو إيراني على فضل شاكر، ورغم التضييق الكبير بحقه، ورغم أن تسجيل الصوت تم في استديو متواضع إلا أن هذا النجاح الباهر للأغنية يعني انطلاقة جديدة لشاكر، الذي كانت أغانيه أكثر الأغاني متابعة ومشاهدة لسنوات.
فضل من المطربين العرب القلائل الذي يؤدي الغناء بسلاسة، فيغني وكأنه يتكلم بشكل طبيعي، استمتع به المحبون، وسينتظرون مزيداً من إبداعاته، حتى يخرج من هذه المحنة، نعم سيرجع مثلما كان…ويعود إليه هواه الذي سُرق منه، فقد ربحه العشاق والمحبون، وما خسره المؤمنون.
مرصد الشرق الأوسط وشمال افريقيا الإعلامي