لنتسلى.. فقط لنتسلى
نبيل الملحم
هذا العالم أصيب بالشيخوخة، هو الأمر كذلك فالخرائط التي حملتها حربين عالميتين باتت على وشك أن تنطوي لحساب خرائط جديدة.
حدث ذلك مع إعلان الاتحاد الاوروبي وقد اندثر الاتحاد السوفييتي، وكان تطوراً على هذا المستوى ضرباً من الخيال.. كان يبدو مستحيلاً كما ادخال الديناصور بثقب الابرة.
ونهضت “القاعدة” ومشتقاتها وقد خلقت للعالم “ارهابستان”، وعلى أعقابها تفككت العراق ولابد أن عراق اليوم مرشحة لاحتراب شيعي / سنّي، وفازت حماس على منظمة التحرير واحتكرت ثقافة الزواريب مكان ثقافة ادوارد سعيد وقصيدة محمود درويش، وانتهت سوريا دولة “سايكس بيكو” لتنتقل إلى شظايا دولة وشظايا دويلات، والعالم مرشح للمزيد من خطوط الزلازل، وحتماً ستكون البداية ما بعد حرب غزة بداية جديدة لفوضى جديدة ترسم خرائط جديدة.
العراق خارج الحسابات، ومصر تتسوّل على اعتاب اثيوبيا لتستعيد حفنة من ماء نيلها، أما من تبقّى من العرب فلابد لهم من إعادة النظر بكل شيء، بدءاً من استثمار الناقة في مفازات الصحراء وصولاً لهتافات الربابة…
كل شيء سيتغير باتجاه خرائط جديدة وسيكون الحال المباشر على ضوء غزة هو::
ـ ترحيل الفلسطينيين من غزة..
سيحدث، هذا وقد بات المخرز أقوى من العين، ومصر التي ترفض توطين الغزاويين في سيناء سيتقبلون وعبر “القضمة قضمة” هذا الواقع الجديد الذي يعني نكبة جديدة، فالمال لايشتري كل شيء، ولكن الكثير منه يشتري، ومصر ستشترى، أما سوريا فالتقسيم الموضوعي لابد وينتقل إلى تقسيمات قانونية ودستورية ما بعد إنجاز “ميثاق نسيان الدولة”.
العالم سيتغير، وقد تبدو الصورة معتمة تماماً، وهي معتمة، ولكن متى كانت التحولات التاريخية إن لم تبدأ من العتمة؟
الرأسمالية بصيغتها الراهنة شاخت، والشيوعية بصيغتها الستالينية دُفنت والإسلام السياسي لايعيش ولا يموت، أما المقبل عليه فلابد من موته في “الخمينية” ودفنه في “الاردوغانية”، لحساب كوميديا جديدة تنسي العالم مُجمَل الكوميديات السابقة عليها.
هو ذا العالم يسير نحو طيّ صفحته، لكتابة صفحات جديدة ما بعد أفول وموت صفحاته القديمة، حتى أن منطلقات ميشال عفلق التي تحكي عن أمّة عربية واحدة لم تعد صالحة للإضحاك، تماماً كما خطابات العراقي محمد سعيد الصحاف وسابقه المصري أحمد سعيد.
باختصار سيتغير العالم بما لا نستوعبه، كل ما يتبقى أن نشتغل على قراءة اللوحة، لا لكي نحدث تبديلاً فيها.
قد يكون المستقبل هو “مستقبل التسويات”، إن لم يكن “مستقبل التوراة”.”
ثانية علينا أن نقرأ اللوحة، لا لإحداث تبديل فيها بل:
ـ لنتسلّى.
فقط لنتسلّى.