فلتان أمني في دمشق.. جرائم وعصابات
تعيش العاصمة السورية حالة من الفلتان الأمني وعدم استقرار، في ظل انتشار مجموعات مسلحة غير نظامية أشبه بالعصابات، وكل عصابة تتبع لأحد الشخصيات المتنفذة في الدولة.
تتقاسم رؤوس العصابات العاصمة السورية وريفها، ويتربع آل الأسد وآل مخلوف، على قمة هرم العصابات، يليهم آل الأخرس وموالين لهم، وعنهم تنبثق كل العصابات المسلحة الأخرى في سوية عامة وفي العاصمة دمشق وضواحيها.
كما يقترن المال بالسلطة في سوريا “الأسد” لينتجا أكثر أنواع العنصرية تشوهاً، فبعد تمكن الأسد من إعادة السيطرة على دمشق ومحيطها، سُحبت الأسلحة الفردية من أيدي “الثوار” وباتت المنطقة السياسية الأهم في سوريا خالية من الأسلحة، إلا من تلك التي مازالت بيد العصابات غير النظامية التابعة للحكومة السورية.
عصابات
وتعرف هذه العصابات باسم “اللجان الشعبية” و”الشبيحة” إضافة لمسميات أخرى أهمها “جماعة فلان . . .” تنشر الجماعات المسلحة الرعب في قلوب الدمشقيون والنازحون الذين يفترشون حدائق المدينة التاريخية وأزقتها، حيث لاقانون يضبط هؤلاء المسلحون، فهم فوق السلطة ويقولون الدمشقيون أن “الداخل إلى مقرات هذه العصابات مفقود، والخارج منها مولود كتبت له حياة جديدة”.
في أحدث حادثة تشهد على نشاط هذه المجموعات المسلحة داخل العاصمة، ما جرى في ضاحية قدسيا؛ فقد تعرض فرع لشركة الهرم المالية للحوالات لسطو مسلح من قبل شخصان يحملان أسلحة فردية، حيث دخل المسلحان صباحاً وأمرا كل من كان داخل المكان بالانبطاح، طالب المسلحان مدير المكتب المالي “عبد القادر شيخة” بتسليمهم كل ما لديه من أموال داخل الخزنة، وبعد أن رفض “شيخة” الأمر قام المسلحان بقتله، والخروج من المكتب بهدوء بحسب ما أظهر شريط فديو والهرب من مكان الحادثة في دراجة نارية كانا يستقلانها.
وقال وزير الداخلية في النظام السوري، اللواء “محمد خالد رحمون”: ” إن الجهات المختصة ألقت القبض على المجرمين اللذين هاجما مركز الحوالات في ضاحية قدسيا وسيتم تقديمهما للقضاء لنيل الجزاء العادل على جريمتهما” دون صدور أي توضيحات أخرى في الصحف المحلية الرسمية حول الحادثة التي أدت إلى إنهاء حياة شخص.
خوف ورعب
لا يتجرأ الناس داخل أسوار العاصمة من الحديث إلى وسائل إعلام أجنبية، فهذه تهمة قد تودي بصاحبها إلى التغيب لعشرات السنوات وراء جدران سجن صيدنايا أو أحد الأفرع الأمنية التي باتت اليوم شبيهة بهم، وفي أحوال أخرى من الممكن أن يصبح المتكلم مع أي وسيلة إعلامية غير سورية في عداد المفقودين.
وعمدت وزارة الإعلام مؤخراً، وبإيعاز من الإدارة الأمنية في سورية، إلى تخصص مرافق لكل صحفي أجنبي يتمكن من الحصول على تصريح لدخول البلاد بصفته المهنية.
تواصل مرصد الشرق الأوسط وشمال افريقيا مع أشخاص يسكنون العاصمة السورية، ولأسباب أمنية طلبوا عدم التصريح بأسمائهم، قالت نهاد “وهو اسم وهمي بناء على طلب صاحبة العلاقة الأصلية”: ” أصبحت عمليات القتل اليوم شبه يومية وصار الحديث فيها اعتيادي، لم تكن الأمور بهذا السوء قبل الأحداث الأخيرة التي شهدها البلد”.
وتتابع “نهاد” حديثها: ” العديد من القضايا تغلق حتى لوصدر تصريح رسمي بملاحقة الجناة، لم أشهد حالة قتل تم التعرف على القاتل ومقاضاته” وترجع نهاد السبب إلى كون الجناة عادة يكونون “ناس إيدهم طايلة” أي أنهم ينتسبون لمجموعات مسلحة لها رؤوس داخل القصر الرئاسي في المهاجرين.
لكن وبحسب رواية “نور” سوري يسكن في أحياء دمشق القديمة، هناك مجرمين “صغار” يقتلون لدوافع شخصية وانتقامية “هؤلاء يزج بهم داخل السجن”، لكن نور علّق على حادثة قدسيا قائلاً : ” لايريد النظام تأجيج المزيد من المشاعر السلبية اتجاهه منقبل الرؤوس الكبيرة في البلد، لهذا نجد العديد من قبل المجرمين طلقاء، وبنفس الوقت يحافظ النظام على الاستقرار الذي أحرزه باسترضاء أهل الضحية من خلال فقاقيع يُسلط الضوء عليها إعلامياً”.
فساد أخلاقي
وأكدت روايات عديدة وصلت لـ “مينا” عن انتشار الفساد الأخلاقي بتشجيع وتسهيل من قبل “عناصر الحواجز المنتشرين في دمشق”، وغالباً لا يوجد رقيب على هذه “البؤر اللا أخلاقية” بل في أحيان كثيرة يعطى لهؤلاء العناصر صلاحيات أكبر من إمكانياتهم وحدود عملهم.
وروى لنا “صالح” دمشقي يسكن في أحد أحياء المزة، أن عناصر الأمن يختطفون النساء والفتيات أثناء التفتيش الدوري للباصات بحجة “دواع أمنية”، كما أن العناصر يعملون لصالح الضابط الكبير المشرف على الحاجز، الذي تحول مكتبه إلى ما يشبه بمكان “دعارة” رسمي تابع لأجهزة الأمن، وأكد صالح “أخلاق الدمشقيون سامية لا تقبل بهذه التجاوزات، وكل فكرة خارجة عن إطار الأدب العام وتتنافى مع سمو تاريخنا أتتنا من الفساد الهابط إلينا من رأس الدولة”.
وتابع صالح: ” لقد أدخلوا في مجتماعتنا أشخاص ادعوا أنهم منا ليشيعوا الفساد الأخلاقي”.
مؤكداً أن الدولة لا تعاقب “الكبار”- أي الضباط ورؤوس الأموال- على أفعالهم السيئة، وإنما تعمل على تأديب المواطنيين بـ “صغار” المجرمين، وهؤلاء لا يمثلون خطراً قومياً على الدولة، فخطرهم لا يتجاوز حدود انتقامهم الشخصي، بينما “الكبار” باعوا البلد، وأوجعوا السوريين كثيراً.
مرصد الشرق الأوسط وشمال افريقيا الإعلامي