فوضى سياسية تشهدها فرنسا بعد رفض ماكرون مرشحة اليسار
مرصد مينا
تصاعدت الأزمة السياسية في فرنسا بعد رفض الرئيس، إيمانويل ماكرون، تسمية رئيس وزراء من الائتلاف اليساري الذي فاز بأكبر عدد من المقاعد البرلمانية في الانتخابات التي جرت في يوليو الماضي.
وكان ماكرون يأمل أن تؤدي المشاورات التي أطلقها إلى كسر الجمود السياسي الناجم عن الانتخابات التي تركت الجمعية الوطنية(البرلمان) منقسمة إلى 3 كتل بين اليسار والوسط واليمين المتطرف، دون أن يحصل أي طرف على أغلبية المقاعد.
بعد الرفض.. تهديدات بعزل ماكرون
وبعد يومين من المحادثات مع قادة الأحزاب والبرلمان لكسر الجمود والتوصل لاتفاق لتسمية رئيس وزراء يحظى بدعم من مختلف الأحزاب، قوبل قرار ماكرون بعدم اختيار مرشحة الجبهة الشعبية الجديدة بالغضب وتهديدات بالعزل.
وفي بيان صدر، مساء أمس الاثنين، وصف قصر الإليزيه المناقشات التي جرت، الجمعة والاثنين، بأنها “عادلة وصادقة ومفيدة”، لكنها فشلت في التوصل إلى حل قابل للتطبيق.
وقال ماكرون موضحا قراره إن حكومة يشكلها التحالف اليساري (الجبهة الشعبية الجديدة)، الذي يضم فرنسا الأبية، والحزب الاشتراكي، والخضر، والحزب الشيوعي، ستؤدي إلى تصويت فوري بحجب الثقة وانهيار الحكومة.
وأضاف:”مثل هذه الحكومة ستواجه على الفور أغلبية تزيد عن 350 نائبا ضدها، مما يمنعها فعليا من التصرف”. وتابع: “في ضوء الآراء التي أعرب عنها القادة السياسيون الذين تمت استشارتهم، فإن الاستقرار المؤسسي لبلدنا يعني أنه لا ينبغي متابعة هذا الخيار”.
وكانت الانتخابات المبكرة التي دعا إليها ماكرون في يونيو الماضي، فشلت في إخراج فرنسا من مأزق البرلمان المعلق الذي جعل معسكره يدير حكومة أقلية منذ العام 2022.
وبدلا من ذلك، انقسمت الجمعية الوطنية بين ثلاث كتل: تحالف الجبهة الشعبية الجديدة الذي يجمع الأحزاب اليسارية والذي يملك أكثر من 190 مقعدا، يليه معسكر الرئاسة الذي فاز بـ 160 مقعدا، والتجمع الوطني اليميني المتطرف الذي يملك 140 مقعدا.
وبالتالي، فإن أيا من الكتل لم يقترب من الأغلبية التي تبلغ 289 مقعدا في المجلس الذي يتألف من 577 مقعدا.
جولة مشاورات جديدة
وبعد فشل الجولة الأولى، أعلن ماكرون عن جولة أخرى من المشاورات مع قادة الأحزاب والسياسيين المخضرمين تبدأ، اليوم الثلاثاء.
وجاء في البيان:”في هذا الوقت غير المسبوق في الجمهورية الخامسة، حيث تكون توقعات الشعب الفرنسي عالية، يدعو رئيس الدولة جميع القادة السياسيين إلى الارتقاء إلى مستوى الحدث من خلال إظهار روح المسؤولية”.
وأضاف :”مسؤوليتي هي ضمان ألا يتم إعاقة البلاد أو إضعافها”.
وبعد الإعلان، قالت “الجبهة الشعبية الجديدة” إنها لن تشارك في المزيد من المحادثات إلا لمناقشة تشكيلها للحكومة.
ونجح التحالف اليساري في صد تهديد التجمع الوطني اليميني المتطرف في الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية في يوليو الماضي.
ورشّح اليساريون لوسي كاستيتس وهي خبيرة اقتصادية تبلغ من العمر 37 عاما كمرشحة محتملة لمنصب رئاسة الحكومة.
وبعد إعلان يوم الاثنين، اتهم جان لوك ميلينشون، رئيس حزب فرنسا الأبية، ماكرون بخلق “وضع خطير بشكل استثنائي”.
وقال ميلينشون:”يجب أن يكون الرد الشعبي والسياسي سريعا وحازما”، داعيا حزب فرنسا الأبية إلى مظاهرات تحث الرئيس على “احترام الديمقراطية”، وقال إنه سيقدم اقتراحا بعزل ماكرون.
وتابع في بيان:”لا يعترف رئيس الجمهورية بنتيجة الاقتراع العام، الذي وضع الجبهة الشعبية الجديدة في صدارة استطلاعات الرأي”.
وأضاف:”إنه يرفض تعيين لوسي كاستيتس رئيسة للوزراء. في ظل هذه الظروف، سيتم تقديم اقتراح العزل من قبل نواب حزب فرنسا الأبية. أي اقتراح لرئيس وزراء غير لوسي كاستيتس سيخضع لاقتراح بحجب الثقة.”
اليسار يدعو للتظاهر
وأثار القرار الذي أعلنه ماكرون برفض مرشحة اليسار في بيان طويل، غضب “الجبهة الشعبية الجديدة” التي اتهمته بـ”إنكار الديمقراطية”.
ودعت فرنسا الأبية (أقصى اليسار) وهي العضو مع الاشتراكيين والبيئيين والشيوعيين في التحالف اليساري، إلى التظاهر في 7 سبتمبر المقبل ضد خطوة ماكرون.
بدوره أعلن أوليفييه فور رئيس الحزب الاشتراكي أنه لن يشارك في مشاورات جديدة بقصر الإليزيه، منددا بـ”مهزلة ديمقراطية”.
بينما قالت زعيمة البيئيين مارين توندولييه: “لن نستمر في هذا السيرك” فيما أكد الاشتراكي فابيان روسيل أن اليسار سيواصل “الكفاح” داعيا الفرنسيين إلى التعبئة.
ومنذ صدور النتائج يضغط اليسار على ماكرون لتسمية أحد أعضائه رئيسا للوزراء، مؤكدا أن المنصب من حصة اليسار على اعتبار أنه يشكل القوة الأكبر في البرلمان.
غير أن ماكرون أرجأ من جانبه تنصيب رئيس حكومة جديد، تاركا حكومة تصريف أعمال لفترة غير مسبوقة بينما يسعى إلى تعيين شخصية تحظى بدعم واسع النطاق كي لا يتم إسقاطها على الفور في تصويت على الثقة.
وكتب الصحفي غيوم تابارد في صحيفة لوفيغارو المحافظة أن “نقطة ضعف الرئيس تتمثل في أنه لم يكن قادرا على تغيير اللعبة أو دفع أي شيء إلى الأمام… وهو يعتمد على حسن نية الآخرين لإصلاح أخطائه”.
وفي ظل الفوضى السياسية التي عمت فرنسا نتيجة قرار الرئيس المفاجئ حل الجمعية الوطنية بعد فشله في الانتخابات الأوروبية في التاسع من يونيو الماضي، دعا معسكر ماكرون إلى التحلي بـ”المسؤولية”، ساعيا إلى ضم الاشتراكيين إليه وعزل اليسار الراديكالي.
واليوم الثلاثاء، دعا وزير الداخلية في الحكومة المستقيلة جيرالد دارمانان عبر قناة “بي إف إم تي في” الإخبارية الفرنسية إلى تشكيل “تحالف واسع”، مؤكدا أن بإمكان أنصار ماكرون التوصل إلى “اتفاق على الحد الأدنى” مع الاشتراكيين “للسماح لـ(مؤسسات) فرنسا بالعمل”.
اليمين يرفض أي ائتلاف
من جانبه، يرفض اليمين التقليدي الفرنسي الدخول في أي ائتلاف، مع عدم استبعاد “التصويت لصالح ما يذهب في الاتجاه الصحيح”.
أما أقصى اليمين، فيواصل اتهام ماكرون بـ”زرع الفوضى”.
وعنونت صحيفة “ليبيراسيون” اليسارية اليوم الثلاثاء “إيمانويل ماكرون: الازدراء”، فيما كتبت صحيفة “لو فيغارو” اليمينية أن “فرنسا تتفادى كارثة” مع رفض حكومة من الجبهة الشعبية الجديدة.
لكن الوقت ينفذ أمام ماكرون لاختيار رئيس للحكومة، إذ يتحتم تقديم ميزانية إلى الجمعية الوطنية في 1 أكتوبر المقبل في ظل جدول أعمال رئاسي مشحون مع افتتاح الألعاب البارالمبية مساء يوم غدٍ الأربعاء، قبل أن يتوجه الخميس إلى صربيا.