في السودان.. تصعيد وتعديلات وتحذيرات من الانزلاق إلى الفوضى
مرصد مينا – هيئة التحرير
تعود تبعات الأزمة السودانية إلى واجهة الأحداث مجدداً، بعد دعوة كتل مدنية سودانية إلى التظاهر ضد الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين رئيس الحكومة، “عبد الله حمدوك” والقيادة العسكرية في البلاد، الأسبوع الماضي.
يشار إلى ان السوادن شهد الإعلان عن التوصل لاتفاق عاد بموجبه “حمدوك” إلى منصبه في رئاسة الحكومة بعد فترة قصيرة من إعلان قائد الجيش السوداني، “عبد الفتاح البرهان” حل مجلس السيادة والحكومة السودانية وإقالة رئيس الوزراء وتشكيل مجلس سيادي جديد.
وكانت تنسيقيات لجان المقاومة، بولاية الخرطوم في السودان، قد أعلنت عن تسيير تظاهرات لا مركزية اليوم الاثنين، في بداية ما سمّته “جدول التصعيد الثوري” لشهر ديسمبر، وذلك للتعبير عن رفض الاتفاق السياسي الموقع في 21 نوفمبر الفائت، وكذلك رفض قرارات الجيش الصادرة في 25 أكتوبر الماضي.
اتفاق انقلابي وشراكة مرفوضة
يرجع تجمع المهنيين السودانيين، الذي يعتبر أحد أقوى الكتل المدنية الرافضة لاتفاق “حمدوك والبرهان” موقفه من الاتفاق إلى كونه يعارض حالة الشراكة بين التيارات المدنية والعسكرية في إدارة البلاد، واصفاً القوى العسكرية بأنها قوة انقلابية راغبة بالسيطرة على الحكم في السودان من خلال الخروج عن اتفاقات المرحلة الانتقالية، التي تم التوقيع عليها عام 2019 برعاية أممية ودولية.
كما يوجه التجمع انتقادات واسعة لموقف الأمم المتحدة الداعم لاتفاق “حمدوك والبرهان”، خاصة وأنها ترى في الموقف الأممي تشريعاً للاتفاق المرفوض من قبلها ومن قبل كتل مدنية، مشككاً في إمكانية أن يخدم الاتفاق انتقال البلاد من الانتقال السلمي نحو ديمقراطية حقيقية، على حد وصفه.
في ذات السياق، أكدت قوى الحرية والتغيير في السودان أن موقفها الرافض للاتفاق الجديد لا يزال ثابتاً، نافية أن تكون قد انضمت إلى القوى المؤيدة له أو أنها تستعد لطرح إعلان سياسي جديد يتوافق مع الاتفاق.
إلى جانب ذلك، تشدد قوى الحرية والتغيير في بيان صادرٍ عنها على اعتبار أن ما تشهد البلاد حالياً هو انقلاب على السلطة وعلى أنها ستواصل العمل على مواجهة ذلك الانقلاب، مضيفةً: “نؤكد أننا نعمل مع المجموعات العريضة من شعبنا الرافضة للانقلاب من أجل مقاومته ودحره، وخبر موقع دارفور 24 بشأن طرح إعلان سياسي يمهد لاتفاق جديد مبنى على الاتفاق السياسي بين البرهان وحمدوك غير صحيح”.
تشدد قوى الحرية والتغيير في رفض الاتفاق، يرجعه البيان إلى اعتبار أن ذلك الاتفاق من شأنه إضفاء شرعية على “الانقلاب”، لافتاً إلى أن القوى المدنية تعمل بشكل موسع ومتزامن من أجل فض الشراكة مع القوات المسلحة، للوصول إلى حكم مدني خالص.
شروط ترشح تثير القلق وعقبات إضافية
تعليقاً على موقف القوى المدنية من الاتفاق الأخير، يشير المحلل السياسي، “سوار الدين النوبي” إلى أن القوى المدنية تفقد الثقة بشكل كامل بالقوى العسكرية، لافتاً إلى ان تصريحات “البرهان” الأخيرة زادت من شكوك رغبة العسكر بالاستمرار في الحكم خلال الانتخابات القادمة التي من المقرر أن تجرى في العام 2023.
يشار إلى ان “البرهان” كان قد أكد في وقتٍ سابق، على أن جميع القوى السياسيّة وبينهم العسكر سيتمكّنون من الترشح في انتخابات 2023، التي وصفها بأنها الانتخابات الحرّة الأولى في بلاد والتي ستنهي ثلاثين عاما من الديكتاتوريّة العسكريّة والإسلاميّة، على حد تعبيره، لافتاً إلى انها ستكون مفتوحة لجميع القوى التي شاركت في المرحلة الانتقاليّة، بما يشمل العسكريّين وقوّات الدعم السريع بقيادة الفريق أوّل محمد حمدان دقلو”.
حديث “البرهان” عن وجود مراقبة دولية وإفريقية للتطورات في المشهد السوداني وتشكيل الحكومة المدنيّة، وفقاً لما يراه “النوبي” لم تكن كافية لتبديد مخاوف القوى المدنية حيال قيام نظام حكم عسكري في البلاد، لافتاً إلى أن القوى المدنية تسعى لإقصاء كامل للمنظومة العسكرية من الحكم وانحسار عمل القادة العسكريين في مجال الجيش بعيداً عن السياسة.
إلى جانب ذلك، يعتبر “النوبي” أن المحرك الأول لقلق المنظومة المدنية هو الإجراءات التي اتخذها المجلس العسكري قبل أكثر أسبوعين وحل مجلس السيادة، لافتاً في الوقت ذاته إلى أن البلاد لن تتمكن من حلحلة مشكلاتها في ظل مناخ انعدام الثقة المسيطر على المشهد.
موقف القوى المدنية من الاتفاق، لا يعتبر وفقاً للمحلل السياسي، “موقف أحمد”، العائق الوحيد أمام تطبيق تفاهمات “حمدوك و”البرهان”، لافتاً إلى وجود عقبات إضافية في مقدمتها موقف العديد من الحركات المسلحة السودانية، التي تصر على ضرورة خروج العسكر من المشهد السياسي، لاتمام اتفاقات السلام الموقعة بينها وبين الحكومة السودانية.
ويشير “أحمد” إلى أن تلك الحركات وبموجب اتفاقات السلام سيكون لها حصة من الحكومة السودانية ومن الحكم في البلاد، وفي ذات الوقت لن تقبل بأن تشمل تلك الشراكة الطرف العسكري، معتبراً ان التهديدات لا تطال فقط الفترة الانتقالية وبحسب وإنما تهدد السلام الأهلي في البلاد، في حال لم يتم التوصل إلى اتفاقات أكثر شمولية.
كما يعتقد “أحمد” أن الأزمة السودانية وصلت إلى مفترق طرق، إما التفاهم على صيغة لإدارة البلاد إلى حين إجراء الانتخابات، أو الانزلاق باتجاه الفوضى الكبيرة، مشدداً على استحالة أن تبقى الأمور مراوحة في محلها، خاصة مع إصرار كل طرف على طروحاته مع التوليح بزيادة التصعيد والضغط على الأطراف الأخرى.
يذكر أن كلاً من حمدوك والبرهان ونائبه قائد وحدات التدخل السريع، محمد حمدان دقلو ، قد أعلنوا لأحد عن توافقهم على إجراء تعديلات على الوثيقة الدستورية لتتلاءم مع الاتفاق السياسي الأخير، الموقع بينهم.