في سوريا.. صراع أثرياء حرب أم واجهة جديدة للنظام؟
مرصد مينا – هيئة التحرير
“أثرياء الحرب”، مصطلح برز إلى واجهة المشهد السوري بقوة مع ظهور الخلافات بين “بشار الأسد” وابن خاله وذراعه الاقتصادية، رجل الأعمال، “رامي مخلوف”، الذي كان أول من أطلق هذا الوصف على فئة مقربة من النظام؛ اتهمها بمحاولة إزاحته والسيطرة على شركاته.
ويعتبر “مخلوف” حتى عام 2019، المسيطر الأكبر على الاقتصاد السوري بدعم من نظام ابن عمته، من خلال شركة راماك، التي تدير مجموعة شركات ذات أنشطة متعددة في مجالات الاتصالات والعقارات والطرقات وتنفيذ المشاريع، بالإضافة إلى شركة شام القابضة، التي كانت تتولى تنفيذ المشاريع الكبرى في البلاد، قبل أن يخرج من المعادلة الاقتصادية نهائياً، بسبب تصاعد خلافاته مع النظام في الأشهر القليلة الماضية.
جميعهم صبيان للأسد
يرفض الباحث في الشؤون السورية، “محمد الزعبي”، توصيف “أثرياء الحرب” على طبقة رجال الأعمال الصاعدين في سوريا منذ 2011، لافتاً إلى أن جميع رجال الأعمال سواء قبل أم بعد الثورة السورية، يتبعون لمؤسسة “الأسد” ويعملون لصالحها، لا سيما وأن الأنشطة الاقتصادية والمشاريع الممنوحة لهم تصدر بقرارات من النظام.
كما يشير “الزعبي” إلى أن مصطلح تجار الأزمة أو أثرياء الحرب، يطلق على من يستغل ظروف معينة لبناء ثروة، أما الحال في سوريا مختلف تماماً، فالصعود والهبوط وبناء الثروات مرتبط بقرار من النظام السياسي، الذي يستخدم كل أولئك التجار كواجهة اقتصادية لصالح مؤسسته المالية، وهو ما يتفق معه الخبير الاقتصادي “عبد الرزاق المحمد”، مضيفاً: “المنظومة الاقتصادية في سوريا الأسد تشبه تماماً العمل الحكومي أو السياسي، فرجل الأعمال هو أحد موظفي النظام، الذي يقوم بأدوار معينة يتم توزيعها عليه من قبل القيادة السياسية، ولا يملك أي فرص للعمل خارج تلك الأدوار، ما ينفي فكرة وجود أثرياء حرب في هذا البلد”.
ولفهم سير الأمور في سوريا على المستوى الاقتصادي، يصف “المحمد” طريقة إدارة النظام للاقتصاد السوري، بالطريقة المافيوية، التي تقوم على وجود بارونات تدير مجالات متعددة، تصب جميعها في النهاية لدى البارون الأكبر، الذي بدوره يقصي ويعين البارونات بحسب مصالحه ومقتضيات المرحلة التي يمر بها، موضحاً: “الثورة إحدى الظروف التي دفعت النظام بقوة إلى تغيير توزيع الأدوار والأنشطة بين باروناته”.
وكانت سوريا خلال سنوات الثورة، قد شهدت بروز أسماء جديدة في عالم الاقتصاد، مثل “سامر الفوز” و”وسيم القطان”، بالإضافة إلى “مهند الدباغ” قريب زوجة رأس النظام، وغيرهم من رجال الأعمال، الذين صعدوا على حساب الأسماء التقليدية، مثل “محمد حمشو” و”فارس الشهابي” و”رامي مخلوف”.
تجديد للواجهة وهرب من العقوبات
بروز الأسماء الجديدة في قطاع الاقتصاد السوري، لا يربط فقط بمسألة الخلافات المالية بين النظام وعدد من رجال الأعمال، كما حالة “مخلوف”، ولا بصراع النفوذ بين الإيرانيين والروس، كما في حالة “حمشو” و”الشهابي”، وإنما يرتبط أيضاً وفقاً للمحلل السياسي، “حسام يوسف” برغبة النظام بتجديد واجهته الاقتصادية، لا سيما وأن كافة الأسماء التقليدية في الاقتصاد السوري مرتبطة بدعم الميليشيات العسكرية وارتكاب جرائم ضد الإنسانية ومشمولة بالعقوبات، مضيفاً: “النظام بدأ يشعر بأنه كسب الحرب تماماً وبات يسعى لحركة إقصاء كاملة لكل متورط معه في جرائمه خلال سنوات الثورة، سواء على الصعيد السياسي والاقتصادي والعسكري، وبناء منظومة جديدة يعتقد أنها قد تجب ما قبلها من جرائم”.
وشهدت سوريا خلال السنوات الماضية، تصفية عدد من القادة العسكريين المتهمين بارتكاب جرائم حرب، من بينهم مهندس البراميل المتفجرة، “عزيز علي إسبر”، بالإضافة إلى إقصاء عدد من المسؤولين الحكوميين كرئيس الوزراء “عماد خميس” وعدد كبير من طاقمه الحكومي ومصادرة أملاك عشرات المسؤولين بتهم الفساد، بالإضافة إلى إقصاء كل من “محمد حمشو” و”فارس الشهابي” وغيرهم من مجلس الشعب، في الانتخابات الأخيرة.
إلى جانب ذلك، يعتبر “يوسف” أن النظام أطاح بأذرعه الاقتصادية التقليدية، كونها باتت عبئاً عليه وأوراق محروقة بعد أن شملتها العقوبات، مشيراً إلى أنها واحدة من الألعاب التي اعتاد النظام على لعبها منذ 50 عاماً بدءاً مما يسمى بالحركة التصحيحية، التي زج خلالها “حافظ الأسد” زملاء انقلابه في السجن وصولاً إلى قضية “مخلوف”، مروراً برئيسي الحكومات السابقين، “عبد الرؤوف الكسم” و”محمود الزعبي” وغيرهم.
وكان “حافظ الأسد” قد انقلب على زملائه عام 1970، حيث وضع صديقه “صلاح جديد” والحكومة السورية آنذاك ممثلة برئيس الجمهورية “نور الدين الأتاسي” في السجن، باسم الحركة التصحيحية وهو ما كرره “بشار الأسد” قبيل توريثه الحكم، بالإطاحة برئيس الأركان الأسبق، “حكمت الشهابي” ورئيس الوزراء الأسبق “محمود الزعبي” بتهم الفساد، ليكرر العملية بعد توليه الحكم بالإطاحة بنائب الرئيس الأسبق، “عبد الحليم خدام” والنائب الأسبق، “فاروق الشرع”، في حين قتل عدد من القادة الأمنيين في النظام بظروف غامضة، مثل اللواء “غازي كنعان” وخلفه اللواء “رستم غزالة” واللواء “جامع جامع” وغيرهم.
محدثي نعمة واغتيال بلا دماء
على الرغم من أن تاريخ آل “الأسد” لم يشهد اغتيالات لرجال الاقتصاد، إلا أن “يوسف” يرى أن عمليات التصفية للاقتصاديين تتمثل بإقصائهم من المشهد الاقتصادي ومصادرة أموالهم، بعملية يمكن وصفها بـ “اغتيال بلا دماء”، الأمر الذي يؤيده المحلل الاقتصادي، “عبد الرزاق المحمد”، لافتاً إلى أن طبيعة النشاط الاقتصادي لا تستدعي الاغتيال المباشر لرجال الأعمال، خاصةً وانهم لا يملكون معلومات أمنية أو عسكرية.
كما يلفت “المحمد” إلى أن النظام قد يلجأ لقتل الاقتصاديين ورجال الأعمال، فقط في حال قرروا مقارعته وعدم الصمت على عملية الإقصاء تلك، كما هو الحال بالنسبة “لمخلوف”، مشيراً إلى أن وضع البلاد حالياً وامتلاك “مخلوف” لقاعدة تأييد عريضة داخل موالي النظام، تمنع الأخير من تصفيته جسدياً.
أما عن سياسة “الأسد” في اختيار شخصياته الاقتصادية، فيشير “المحمد” إلى أنها قائمة على اختيار محدثي النعمة، بعيداً عن التجار ورجال الأعمال المعروفين، معتبراً أن تلك السياسة تمنحه سيطرة أكبر على قواعد الاقتصاد السوري وفرصة أكبر للتحكم بهذه الطبقة من رجال الأعمال.
أسماء الأسد وعملية توريث جديدة
ليس بعيداً عن عائلة “الأسد”، يظهر اسم زوجة رأس النظام، “أسماء الأخرس”، في عملية التحول النوعية في إدارة الاقتصاد السوري وفعالياته، كجزء من تحول أكبر في النظام السوري على المستوى السياسي والعسكري، على حد وصف “الزعبي”، الذي يعتبر أن حركة الاقتصاءات خاصةً في المجال المالي، ارتبطت أيضاً بتصاعد رغبة السيدة الأولى بتشكيل طبقة جديدة من النظام تساعد على إعداد نجلها “حافظ” لوارثة أبيه، موضحاً: “أسماء تعلم تماماً أنها غير مقبولة من طرف عائلة الأسد، وهو ما يثير شكوكاً لديها بولاء الحرس القديم لزوجها وإمكانية عرقلتهم لمسألة توريث ابنها حافظ، وهو ما يفسر حديث مخلوف عن وقوف أشخاص مقربين من الأسد وراء عملية إقصاءه والسيطرة على شركاته”.
وكانت السنوات الأخيرة قبل الثورة السورية، شهدت وجود قوي لأقرباء “الأخرس” في الأنشطة الاقتصادية، بينهم “طريف الأخرس”، الذي تحول من إدارة شركة هندسية صغيرة إلى صاحب سلسلة شركات تعمل في مجالات النقل والبناء والأغذية، بالإضافة إلى ابن خالتها “مهند دباغ”، الذي اعتبر خلال السنوات الماضية، المنافس الأكبر “لرامي مخلوف”، خاصةً بعد أن سيطر على عقود البطاقة الذكية، والتي يقال إنها السبب الرئيسي في تقجر أزمة “مخلوف”.
في هذا السياق، يوضح المحلل “الزعبي” أن الحالة الذهنية داخل العائلة حالياً تتبنى فكرة أن المسيطر على الاقتصاد سيكون هو الحاكم الفعلي للبلاد، وستمكنه من كسب ولاء الجيش والأمن والطبقة السياسية وحتى ولاء الموالين للنظام، لافتاً إلى أن “أسماء الأخرس” باتت ترى أن ابنها أصبح في سن يسمح له بالبروز وإدارة بعض الأمور المتعلقة بالحكم، ما دفعها للسعي إلى تشكيل بطانة تساعده على تولي الحكم لاحقاً بدلاً عن والده.
وظهر “حافظ بشار الأسد” خلال السنوات الماضية بشكلٍ لافت، حيث رصدت الكاميرات عدة انشطة له في المجال المدني وزيارات لمقار حكومية، بالإضافة إلى مرافقته لوالده في العديد من الزيارات لعوائل قتلى وجرحى النظام.