قلب تونس والغنوشي.. انقاذ في مناسبتين ..
مرصد مينا – تونس
يبدو ان حسابات نبيل القروي (رئيس حزب قلب تونس ) السياسية التي تحكمها المصالح لا تلائم حسابات الشعارات والوعود الانتخابية. حيث أصبحت للقروي كتلة برلمانية كبيرة وأصبح هو رقما في المشهد السياسي، ولهذا راجع حساباته واختار الوقوف إلى جانب الطرف القوي حتى لو كان خصمه.
اختار القروي الاصطفاف مع الغنوشي في دور أول حين دعمه لترؤس البرلمان، ولولا أصواته لكان الغنوشي الآن يجلس في احد مقاعد قاعة الجلسات وليس على المنصّة كما هو الآن. وفي المقابل بدأت النهضة ترى فيه حليفا موثوقا ربما أكثر من غيره، بل وبدأت تميل الى التنسيق معه في كل مشاريع القوانين والقرارات وفي الخيارات الهامة، حتى اصبح تقريبا في ترويكا حاكمة معها هي وائتلاف الكرامة، وتراجعت حتى اختفت تقريبا لغة الفساد ومصطلحات الازلام والنظام السابق، ووجد حتى من روج أنه حليف النهضة منذ البداية لكنها كانت تخفي ذلك انتظارا للحظة المناسبة.
القروي من جهته لم يبق في حدود مساندة الشيخ في المطلق ولأجل حماية نفسه من السجن فقط، بل تجاوز الى لعب “أدوار سياسية” حقيقية، وضع الشيخ أمام أمر واقع جديد وفّرته السيدة عبير موسي رئيسة كتلة الدستوري الحر،على طبق من ذهب حين قدمت لائحة مسائلة للغنوشي عن مكالمته للسراج، وهي المسائلة التي وقف فيها قلب تونس بكل ثقله مع النهضة ومنع الشيخ من احراج الادانة، وأهداه انتصارا أول على خصمه اللدود عبير موسي، لكن بمقابل. القروي طرح مباشرة وقبل التصويت ضد لائحة المساءلة الدخول الى الحكومة، والشيخ جسّ النبض فوجد ان المسألة صعب تسويقها هكذا بدون موجب، فطرح مسألة توسيع الحكومة، طالبا ابعاد حركة الشعب وحزب الشاهد من الائتلاف، وادخال قلب تونس بوزارتين او أكثر، لكن مرة أخرى يصطدم برئيس الجمهورية الذي يرفض رفضا قاطعا هذا التوسيع الذي رأى فيه تتويجا لصفقة تمت في البرلمان لحماية الشيخ هناك وتوسيع سلطته على الحكومة هنا، فكان الذي حدث وتفجّرت فضيحة شركات الفخفاخ وما تلاها وما نجم عنها من وضع حالي عدنا فيه الى نقطة الصفر.
القروي يفاوض..
من خلال العودة لخلط الأوراق من جديد تمكن قلب تونس من تسجيل هدف ثان في شباك النهضة، صحيح انه قد خذل التيار والشعب والشاهد وعبير، لكنه لم يناصر النهضة، بل أمسك عليها ورقة ضغط جديدة، منّة جديدة وفضلا لا يمكن ان تنساه، وهو الذي أنقذ شيخها من سقطة مدوية كان قاب قوسين او ادنى من الوقوع فيها وكانت ستكون نهايته السياسية ونهاية حزبه من تصدّر المشهد على الاقل، وكانت ستكون انتكاسة للاسلام السياسي في تونس وفي شمال افريقيا، لولا ان القروي مدّ له يد النجدة مرة أخرى، وأنقذه.
الان لن يكون القروي من يلهث وراء مقعد او مقعدين، سيفاوض على أساس صاحب حق في النصف ان لزم الأمر، وسيفرض على النهضة ان تفاوض باسمه بل ان تشترط عند قبولها بالحكومة ان يكون فيها قلب تونس ممثلا كأحسن ما يكون، وقد ترهن ايضا التصويت عليها بوجود قلب تونس في قلبها.
وبناء عليه لن تستطيع النهضة أن تفلت من عقال قلب تونس بعد الآن، فالنهضة صحيح قد دافعت عن شيخها، وضحت بالكثير من أجل إبقائه على الكرسي، لكنها بالمقابل فتحت الباب على مصراعيه لتمكّن القروي من رقبتها، ولترهن مصيرها القادم بالنسبة للحكومة في يده، ولتجعل منه شريكا كامل الحقوق عليها، بعد أن كان قبل أشهر يركض ليلا نهارا كي ترضى عنه وتقبل حتى مجرد أن يصوت معها أو يجلس بجانب ممثليها في لجنة من اللجان، وتلك هي ضريبة الأخطاء المتتابعة التي دفعت بالشيخ للترشح ثم للرئاسة ثم للممارسات التي لا تتماشى مع وضعه كرئيس للمجلس، وهي تدفع اليوم كل التنازلات ومازالت مستعدة للتضحية بكل شيء على ما يبدو لحماية شيخها.