قلق في تل أبيب… إدارة ترمب تُقيل موالين لإسرائيل وسط تصاعد الخلافات

مرصد مينا
أثارت سلسلة تغييرات شهدها البيت الأبيض وأطاحت بعدد من المسؤولين المقرَّبين من إسرائيل، حالة من القلق الحقيقي في تل أبيب، وسط مخاوف متزايدة من تصاعد نفوذ ما يُعرف بـ”التيار الانعزالي” داخل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وهو تيار يدفع بقوة باتجاه أجندة “أميركا أولاً”، ما تعتبره إسرائيل تهديداً مباشراً لتأثيرها التقليدي على السياسات الخارجية الأميركية.
ووفقاً لما أفادت به مصادر إسرائيلية لموقع “واي نت” التابع لصحيفة “يديعوت أحرونوت”، فإن الإقالات الأخيرة شملت شخصيات وُصفت بأنها من أبرز “المؤيدين بشدة لإسرائيل”، وهو ما أثار مخاوف عميقة في أوساط القيادة الإسرائيلية، خاصة في ظل استمرار التباين بين ترامب ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بشأن عدد من الملفات الحساسة، من أبرزها احتمال شن هجوم على إيران، وكذلك مسار الحرب المستمرة في قطاع غزة.
وكان من بين أبرز الشخصيات التي تم عزلها ميراف سيرين، وهي مواطنة أميركية من أصول إسرائيلية كانت قد عُيّنت مؤخراً رئيسة لمكتب إيران وإسرائيل في مجلس الأمن القومي، إلى جانب إريك ترايغر، الذي ترأس مكتب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
يُذكر أن كلا المسؤولين جرى تعيينهما في عهد مستشار الأمن القومي السابق مايك والتز، المعروف بدعمه القوي لإسرائيل، والذي أُقيل هو الآخر في وقت سابق.
ووفقاً للمصادر ذاتها، فإن وزير الخارجية الجديد ماركو روبيو، الذي تولى المنصب بعد والتز، هو من يقف وراء قرارات الإقالة التي طالت سيرين وترايغر.
ولم تقف التغييرات عند هذا الحد؛ إذ تشير التوقعات إلى أن مورغان أورتاغوس، نائبة المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف والمسؤولة عن الملف اللبناني، ستغادر منصبها قريباً أيضاً، رغم أن الخطوة ليست بمبادرة منها.
وتُعدّ أورتاغوس، التي اعتنقت اليهودية وتضع قلادة نجمة داود حول عنقها، من أكثر الشخصيات المؤيدة لإسرائيل في الإدارة الأميركية، وقد أدت، بحسب “واي نت”، دوراً بارزاً في التوسط لاتفاقات وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان، فضلاً عن إقناع الحكومة اللبنانية باتخاذ موقف أكثر تشدداً تجاه “حزب الله” والدعوة لنزع سلاح مخيمات اللاجئين الفلسطينيين.
ووصفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” مغادرة أورتاغوس الوشيكة بأنها مصدر قلق كبير في الأوساط الإسرائيلية، خاصة لدى المسؤولين المعنيين بالعلاقات مع الولايات المتحدة.
ومع تصاعد الجدل داخل إسرائيل بشأن ما إذا كانت هذه التغييرات تعكس تحولاً جذرياً في سياسات إدارة ترامب تجاه تل أبيب، لم تستبعد مصادر مطلعة احتمال استمرار موجة الإقالات لتطال المزيد من الشخصيات “الوفية لإسرائيل”.
وأكدت هذه المصادر أن “كل شيء في إدارة ترامب يحدث لحظة بلحظة، وبالتالي فإن أي سيناريو يبقى وارداً”.
في المقابل، ترى مصادر أخرى أن هذه الإجراءات ليست موجهة بالضرورة ضد إسرائيل، بل تأتي في سياق تنفيذ سياسة ترامب الرامية إلى تقليص نفوذ أي جهة أجنبية داخل مؤسسات صنع القرار الأميركي، حتى وإن كانت إسرائيل.
وتشير هذه المصادر إلى أن إقالة ترايغر وسيرين جاءت ضمن مسعى ترامب لتركيز مقاليد السياسة الخارجية في يده، وهو ما يفسر أيضاً عدم تعيين بديل لوالتز بعد نقله إلى منصب سفير الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، تاركاً إدارة الملف لوزير الخارجية ماركو روبيو.
ويُقدّر مراقبون في إسرائيل أن من يقف خلف هذه التوجهات داخل الإدارة الأميركية هما دونالد ترامب الابن ونائب الرئيس جي دي فانس، المعروفان بمواقفهما الانعزالية المشككة في الانخراط الأميركي في صراعات الشرق الأوسط.
تجدر الإشارة إلى أن التوترات الحالية لم تنشأ فقط نتيجة التغييرات الإدارية الأخيرة؛ بل سبق أن كشف موقع “واي نت” عن مناقشات مغلقة أعرب فيها نتنياهو عن استيائه من صديقه المقرب الوزير رون ديرمر، محمّلاً إياه مسؤولية سوء التقدير في قراءة التوجهات الأميركية الجديدة.
ونقل الموقع عن مسؤولين حكوميين كبار أن نتنياهو لم يُخفِ خيبة أمله من ديرمر، مشيرين إلى أنه “خُدع وكان واثقاً من أن الولايات المتحدة لن تتخذ أي مواقف معادية لإسرائيل”.
وأضافوا أن ديرمر “ضلّ طريقه” حين افترض أن التنسيق والدعم الأميركي سيستمر دون تغيير، في حين تشير التطورات إلى عكس ذلك.
ويعكس قلق نتنياهو المتزايد الخشية من تنامي تأثير الأصوات الانعزالية في الإدارة الأميركية، والتي ترى في إسرائيل طرفاً يسعى لجرّ الولايات المتحدة إلى حروب لا مصلحة مباشرة لها فيها.
وعلق أحد المسؤولين بالقول: “هذه هي الولايات المتحدة الجديدة… وهو أمر مقلق للغاية بالنسبة لنتنياهو”.