كل شيء هادئ في إسرائيل
كيف يفكّر الـ”إسرائيليون”؟ قد تبدو الإجابة صعبة، ذلك أن الإسرائيليين ليسوا جدارًا متجانسًا، “البلوكة” فيه تتماثل مع “البلوكة” المحاذية أو تلك التي تقف تحتها أو فوقها.. ثمة من يختلف، وثمة من يرى بعين قد لاتتماثل والعين الأخرى.. هذا جدعون ليفي، يؤرخ للحظة ربما على العرب قراءتها، أما العنوان فكان:
ـ ماذا لو كانت جنى فتى؟
ليفي يكتب عن مقتل جنى زكارنة وهي فتاة عمرها 16 سنة، لها قطة بيضاء اسمها لولو، وكانت لها أحلام أيضاً. منذ فترة غير بعيدة، نشرت لها صورة في مجلة “بريستول”، وقد كتبت في المجلة تأملات غامضة لمراهقة: “لا تفكر، لا تتردد، مع جنى، لأن مشكلات الفتيات كثيرة”.
قناص مع وسام ومتمرس من حرس الحدود، كما وصفه كالعادة مراسل عسكري، نسي طبيعة وظيفته، ووضع حداً لمشكلاتها وأحلامها بتسع رصاصات أطلقها عليها، إحداها هشمت جمجمتها. مراسلون عسكريون آخرون رددوا، كالعادة، ما يملى عليهم: كانت إرهابية؛ قامت بمحاولات تصوير ونقل للإرهابيين؛ وقفت بجانب إرهابي مسلح وأطلقت النار على الجنود؛ للأسف، عندما غادر الضباط، قتلت جنى بالخطأ.
الولايات المتحدة أرسلت تغريدة غاضبة، وسارعت وسائل الإعلام في إسرائيل، ليس كما العادة، إلى نشر موضوع قتلها. وحتى إن قناة “أخبار 13” بدأت النشرة بهذا النبأ، وهذا يسجل لها. وزير الدفاع أطلق الكلمة الملعونة والمحطمة المخصصة لمثل هذه المناسبات فقط، “أنا أشارك في الحزن على موتها”، وكأنها ماتت متأثرة بمرض دون ذكر اسمها.
من بين بضع عشرات القتلى الفلسطينيين يحدث شيء ما واحد يثير موجة اهتمام طفيفة، شيء ما شكلي من الحزن المصطنع، شيرين أبو عاقلة، لأنها كانت صحافية تحمل جواز سفر أمريكياً، وجنى زكارنة لأنها كانت فتاة.
ماذا لو كانت جنى فتى؟ لم يكن أحد ليسمع عنها، لا عن موتها ولا عن حياتها. محمد نوري، هيثم مبارك، مؤمن جابر، حسين طه، ضرار صالح، محمد سليمان، عودة صدقة، غيث يامين، أمجد الفايد، ثائر مسلط، قصي حمامدة، محمد قاسم، سند أبو عطية، نادر ريان، ومحمد أبو صالح… جميعهم مجهولون، جميعهم كانوا في نفس جيل جنى، فتيان أبناء 16 سنة، جميعهم قتلوا في هذه السنة على يد إسرائيل. لا أحد منهم كان يستحق الموت. ليس هناك ابن 16 سنة يستحق الموت. جميعهم كان يمكن اعتقالهم أو إصابتهم، إذا كانت حاجة لذلك، لكن ليس قتلهم.
مجتمع يركز على موتاه، ويقدس كل ضحية يهودية ويرفعها إلى مرتبة إلهية – كل مستوطن قتيل يصبح قدّيساً، وكل جندي يعتبر وصية إلهية، ها هو يغلق قلبه منذ عقود إزاء آلاف الضحايا الذين سقطوا على يد جنوده، حتى لو كانوا أطفالاً أو مسنين أو نساء أو مراسلين أو من أطباء وطواقم طبية. هذا المجتمع يكذب على نفسه ويتذرع بالأعذار، وهو ينفي وينكر كل ما يجب أن يكون واضحاً، لا سيما في الآونة الأخيرة، في فترة رئيس الأركان وحكومة التغيير: في السنة الأخيرة، أطلق الجيش الإسرائيلي وحرس الحدود النار على أي شيء يتحرك، بدون مسؤولية وبدون ذنب، قبل فترة طويلة من سماع اسم بن غفير في واشنطن ولاهاي.
144 قتيلاً فلسطينياً على يد قوات الأمن، 34 منهم من الأطفال والفتيان، حسب معطيات “بتسيلم”، هذا في السنة التي وصفتها إسرائيل بأنها سنة هادئة نسبياً، أما بالنسبة للفلسطينيين فكانت السنة الأكثر فتكاً منذ العام 2004.
إسرائيل لا تريد أن تسمع أو تعرف. بتسلئيل سموتريتش ليس المشكلة، ولا حتى بن غفير. أرضية انغلاق القلب تم تمهيدها قبلهم بفترة طويلة، والجميع الآن يصرخون: ماذا سيحدث؟
أولاً، كان علينا أن نسأل: ماذا كان؟ ماذا كان حيث تم قنص وقتل فتاة عمرها 16 سنة فوق سطح بيتها في مدينة فلسطينية اقتحمتها قوات الاحتلال، ولا أحد ينجح في إثارة أحد. كانت جنى فتاة، وجد والداها جثتها ملطخة بالدماء التي تدفقت من رأسها بين خزانات المياه على سطح بيتها. لو كانت فتى لما سمعتم عنها.