لبنان.. حكاية “بصيص” الأمل
كلمة “أمل” مستبعدة عن لبنان، قد يحل محلها كلمة “بصيص أمل”، فالأمل في بلد متناحر مادة ثانوية في الوقائع وكذلك في الرغبات، فما الحال إذا كان بصيص الأمل هذا متولد عن ولادة حكومة جديدة بعد (13) شهرًا على استقالة الحكومة القديمة، وكانت حكومة تُحكَم ولا تًحكم؟
مع ذلك ومواكبة للقائلين بـ “بصيص” الامل، يأتي السؤال:
ـ من أين يتولد بصيص الأمل هذا؟
يبنى “بصيص الامل” على:
ـ الانسحاب الأمريكي من المنطقة، فبانسحابه حسب الفايننشال تايمز قد ينزع فتيل الخصومات في البلد المفلس.
ـ تخوفات الحكومة الوليدة من الشارع، وقد طال سابقاتها مايكفي من السباب والبصاق، حتى بات ظهور أي من الوزراء السابقين في الحياة العامة مجازفة قد تودي الى إهانة صاحبها.
غير أن ما يقابل هذا الكلام هو أنه لا شيء يشير إلى أن لبنان سيفلت من المجموعات الطائفية وأمراء الحرب المتقاعدين الذين “الذين نهبوا خزنته وصادروا ثروات الطبقات الوسطى ومارسوا السلطة دون مسؤولية لعقود”.
هو الأمر كذلك فالحكومة اللبنانية الوليدة، ماهي سوى عبارة عن مزيج من تكنوقراط وأشخاص اختيروا وفق اعتبارات سياسية، رشحهم أصحاب النفوذ لدى طوائف الشيعة والسنة والمسيحيين والدروز.
ولم يكن اختيارهم سوى تسوية ما بين لصوص الأمس، هذه التسوية جاءت بعد تجاذبات طويلة أسفرت عن حالة من الشلل في أروقة السياسة والحكم، وسط أزمة اقتصادية، وصفها البنك الدولي بأنها غير مسبوقة منذ منتصف القرن التاسع عشر.
فالمعلومات تفيد بأن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي انخفض بنسبة تراكمية بلغت 45 في المئة منذ 2018، وأن 77 في المئة من السكان يعيشون تحت خط الفقر، وسط نزوح جماعي للأطباء والمهندسين والمعلمين والاستشاريين.
يتواكب ذلك مع مسار الأزمة الاقتصادية وانهيار العملة الوطنية ، والعجز عن تسديد ديونه. وسيضاف إلى هذا وذاك تداعيات أزمة الوباء، وانفجار مرفأ بيروت الهائل في الرابع من آب/أغسطس العام الماضي.
واضح أن حكومة ميقاتي في رهاناتها تعتمد على صندوق النقد الدولي وإعادة تفعيل المحادثات معه بعد تجميدها، غير إنه من غير المرجح أن تقوم الحكومة بإعادة هيكلة الدين العام ، الذي يقدر بنحو ضعف حجم الاقتصاد على الأقل، لأن ذلك سيعني إعادة هيكلة النظام المصرفي ومراجعة خسائر المصرف المركزي التي قدرتها الحكومة الأخيرة بنحو 50 مليار دولار.
ولدت الحكومة أي نعم، غير أنها ولدت بعد عام من ضغط فرنسا نحو تشكيل حكومة تضم مستقلين، ولكن في النتائج لم تكن حكومة مستقلين، لقد كانت وليدة توافقات فرنسية ـ إيرانية بـ “قبة باط” أمريكية بلغة اللبنانيين، وهكذا يأتي اتصال إيمانويل ماكرون بالرئيس الإيراني الجديد ابراهيم رئيسي، مباشرة للحديث في شأن تشكيل الحكومة، وثمة من يرى أن هذا يبدو جزءاً من نمط بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، والانسحاب التدريجي من سوريا والعراق، مع مناخ يشير إلى أن اللاعبين الإقليميين من إيران إلى المملكة العربية السعودية، يبحثون عن خفض التصعيد، وهذا الخيار، قد يفيد دولا، تتأثر بهذه المنافسات القاتلة، مثل لبنان.
بصيص أمل، وهو بصيص يأتي على شكل لعبة لغوية، أما في الوقائع فليس ثمة ما يشير لا إلى “البصيص” ولا إلى سواه.