لبنان ـ سوريا، حرب المسلّخ مع العريان
زاوية مينا
“معربون” جارة “سرغايا”، واحدة لبنانية والثانية سورية، كليهما زرّاع مشجِرون يأكلون من ثمارهم ومما تجنيه أيديهم وبما يجود به التراب، غير أنهما وكما كامل الشريط الفاصل ما بين لبنان وسوريا لم تحدّد خرائطهما ولم ترسّم حدودهما، مرة بالإهمال والنسيان، والثانية بـ “سوا ربينا”، تلك الحكاية التي جعلت المسافة النفسية ما بين السوريين واللبنانيين يرعى فيها الغزال، فلعن الأول جيرة الثاني وبادله الثاني اللعنات، وبين اللاعن والملعون يتصرّف المهربون لينالوا من كلا الاقتصادين، ويسيطروا على كلا الجارين، فيما سبق برعاية الفرقة الرابعة وكان سيّدها ماهر الأسد، واليوم بورثته ومن على كلا الجانبين.
اللبنانيون قطعوا الطريق بالبلوك على الحد الفاصل مابين الجارين، والمهربون وبملابس القوى العسكرية المخصصة للإدارة السورية الجديدة اشتغلوا على إزالة الحاجز فوقع الاشتباك مابين الجيش اللبناني وبين المهربين ومن بعدهما مع فصيل من جيش الإدارة فكانت النتائج جرحى بلا قتلى، ووفق معلومات شبه مؤكدة فقد وصل الخبر لأحمد الشرع فبلّغ اللبنانيين هدر دم منتحلي شخصية عساكره، فيما قام مسؤولون من الإدارة السورية الجديدة المسؤولة عن معبر المصنع بمنع اللبنانيين، كل اللبنانيين من دخول الأراضي السورية بدءاً من شوفرية النقل البري، وصولاً للطلبة اللبنانيين الدراسين في الجامعات السورية، وصولاّ للمتسكعين في السوق الدمشقي “اتفضلي ياست”، ليقابل إجراءهم هذا إجراء قامت به قوات الأمن اللبنانية في مطار رفيق الحريري بمنع السوريين، كل السوريين القادمين عبوراً إلى بلدهم من دخول الأراضي اللبنانية، وقد حجزتهم في الطابق الثاني من المطار نساء ورجالاً وأطفالاً، وبلا تقديم أيّة حجة سوى “السلبطة” و”الرزالة”، فباتت الحرب معلنة ما بين البلدين الجارين اللتين إن تمدد طويل قامة في فراشه السوري، فقد يصل بركبتيه إلى اللبناني والعكس صحيح.
هي الحرب ما بين “المسلّخ مع العريان”، فالبلد الأول محكوم منهوب، والثاني منهوب محكوم، ما يعني أن الحال “من بعضو” مع تغيير المفردات لدولتين يعضهما الجوع وينال من كرامتهما العجز، وهما في التاريخ، واحد هو رئة الأول، وثان هو المدى الحيوي للثاني، ولولا السيدين سايكس وبيكو لكانا بلداً واحداً أو حارتين في بلاد الشام، وقد انتقلت العلاقة بينهما إلى كراهيات متبادلة لم يؤسس لها الزجل اللبناني ولا الدحية السورية، فمن أسس لها كان غازي كنعان ومن ثم وريثه رستم غزالة وقد أحيلا بالإضافة إلى المقبرة، أحيلا إلى لعنة التاريخ دون أن تنتهي السموم التي زرعاها.
فلا الحدود رسمت، ولا كفّ الجار شرّه عن الجار، فهذا جيش الأسد ينسحب من لبنان، وذاك حزب الله يدخل سوريا كقوة احتلال، والورم يتضخم إلى درجة حرب الجار مع الجار فالحروب تبدأ بطلقة، والشر من شرارة، وليس ثمة حتى اللحظة ما يرسّم العلاقة ما بين البلدين:
ـ هذه حدودك وهذه حدودي.
ـ هذه سلطتك وهذه سلطتي.
وفي البيان الختامي:
ـ دعونا من سوا ربينا .. دعونا نعيش.