لجنة التحقيق في أحداث الساحل السوري: الانتهاكات واسعة النطاق لكنها غير منظمة

مرصد مينا
أعلنت لجنة تقصي الحقائق في أحداث الساحل السوري، اليوم الثلاثاء، نتائج تحقيقاتها النهائية بشأن الانتهاكات التي شهدتها محافظات اللاذقية وطرطوس في مارس الماضي، مؤكدة أن الانتهاكات التي طالت المدنيين كانت واسعة النطاق، لكنها لم تكن منظمة أو ذات مرجعية واحدة، وفق وصف اللجنة.
وفي مؤتمر صحفي رسمي، أوضح المتحدث باسم اللجنة، ياسر الفرحان، أن اللجنة استمعت خلال تحقيقاتها إلى 23 إحاطة من مسؤولين رسميين، كما قامت بتدوين 930 إفادة من الشهود، وأجرت تحريات ميدانية شملت جميع المناطق التي شهدت المواجهات في الساحل السوري.
وأوضح:”اعتمدت اللجنة في أداء مهامها على الرصد العام والتقصي والتحقيق في الاعتداءات والانتهاكات المرتكبة ضمن إطار ولايتها مكانياً في محافظات اللاذقية وطرطوس وحماة، وزمانياً للنظر في أحداث مارس وما يليها، وموضوعياً للبحث في الظروف والملابسات التي أدت إلى وقوع الأحداث، وللتحقيق في الانتهاكات التي تعرض لها المدنيون، والاعتداءات على المؤسسات الحكومية ورجال الأمن والجيش، وتحديد المسؤولين عن كل منها، وإحالة من يثبت تورطهم إلى القضاء”.
وأشار الفرحان إلى أن اللجنة وثقت مقتل 1469 شخصاً، من بينهم 90 امرأة ، والبقية مدنيون أوعسكريون سابقون أجروا تسويات أو من فلول النظام السابق.
في حين تعرض مئات المدنيين لانتهاكات وصفت بـ”الجسيمة” خلال يومي 7 و8 مارس، مضيفاً أن الانتهاكات شملت القتل العشوائي، السلب، وحرق الممتلكات الخاصة والعامة، معتبراً أن “الطابع الثأري كان هو الدافع الرئيسي خلف تلك الجرائم، وليس الأيديولوجية أو التوجهات السياسية”.
وفيما يتعلق بتصرفات القوات الحكومية، أكد التقرير أن “تلك القوات حاولت، في اليوم الأول للأحداث، احتواء الفوضى والحد من انتشارها، رغم أن بعض حملات التفتيش التي نفذتها قوات الأمن شابتها خروقات وانتهاكات محدودة”، على حد وصف اللجنة.
480 حريقاً.. وأسماء 300 متهم قيد التحقيق
وأكدت اللجنة توثيقها لأكثر من 480 حادثة حرق طالت منازل ومتاجر في المناطق المتضررة، مشيرة إلى أنها تمكنت من التوصل إلى هويات حوالي 300 متهم بارتكاب هذه الانتهاكات، حيث جرى رفع أسمائهم للنيابة العامة.
في السياق ذاته، صرّح رئيس اللجنة، جمعة العنزي، أن الدولة فقدت السيطرة الأمنية على بعض المناطق في أوج الأحداث، نافياً في الوقت نفسه تسجيل أية حالات اختطاف لنساء، خلافاً لما تم تداوله في وسائل الإعلام وعلى منصات التواصل الاجتماعي.
اتهام فلول النظام السابق بمحاولة تقسيم الساحل
وقال ياسر الفرحان إن “فلول الأسد حاولوا استغلال حالة الفوضى بهدف فصل الساحل عن باقي الأراضي السورية، تمهيداً لإقامة كيان انفصالي في تلك المناطق”، معلناً أن التحقيقات توصلت إلى أسماء 265 مشتبهاً بهم في هذه المحاولة.
وأشار إلى أن بعض عناصر الأمن والجيش الحكومي وقعوا ضحية لانتهاكات على يد تلك المجموعات الموالية للنظام السابق، حيث تم توثيق مقتل 238 عنصراً من القوات الحكومية، من بينهم جنود وأفراد أمن، بعضهم قُتل أثناء أسره.
ولفت إلى أن التحقيقات كشفت عن حالات انتحال صفة عناصر الأمن العام والجيش، بهدف تنفيذ أعمال سلب ونهب لتحقيق مكاسب شخصية خلال فترة الفوضى الأمنية.
انتهاء مهمة اللجنة وإحالة القرائن للقضاء
وأكدت اللجنة أن مهمتها انتهت رسمياً، وأن تقريرها النهائي تم رفعه إلى الجهات القضائية المختصة، موضحة أن ما توصلت إليه من قرائن وأدلة غير قاطعة، وهو ما دفعها لإحالة ملفات المتهمين إلى القضاء للبت فيها.
وقال المتحدث باسم اللجنة: “لسنا جهة إصدار أحكام نهائية، بل جهة تقصي وتحقيق. نتائجنا ليست مبنية على أدلة دامغة، وإنما على قرائن نُقلت إلى السلطات القضائية”، مشدداً في الوقت نفسه على قناعته بجدية الدولة في محاسبة كل المتورطين في الأحداث، استناداً إلى توجيهات الرئيس السوري أحمد الشرع الذي أكد مراراً، بحسب اللجنة، أن “لا أحد فوق المساءلة القانونية”.
وفي توصياتها الختامية، دعت اللجنة إلى سن قوانين صارمة تجرم إثارة النعرات الطائفية، والعمل على تعزيز مسار العدالة الانتقالية في البلاد، إلى جانب إعادة هيكلة أجهزة الأمن واعتماد معايير حديثة في عملها، فضلاً عن تنظيم وتوحيد الزي العسكري للحد من ظاهرة انتحال الصفة الأمنية.
وأعلنت اللجنة أنها سلمت النائب العام السوري لائحتين بأسماء المتهمين المحتملين في تلك الانتهاكات، مؤكدة أن الحوار والسلم الأهلي في الساحل السوري يمثلان أولوية قصوى للدولة في المرحلة المقبلة.
تسليم التقرير للرئاسة السورية
وكان الرئيس السوري أحمد الشرع قد تسلّم التقرير النهائي للجنة الوطنية للتحقيق وتقصي الحقائق يوم الأحد الماضي، حيث شدد في توجيهاته الرسمية على ضرورة نشر نتائج التحقيق بشفافية أمام الرأي العام السوري.
وأوضحت الرئاسة السورية أن “اللجنة أنشئت بهدف كشف الحقيقة وضمان عدم تكرار الانتهاكات، مع التأكيد على رفض أية محاولات لطمس الوقائع”، مشيرة إلى أن اللجنة ستعقد مؤتمراً صحفياً خلال الأيام المقبلة لعرض التفاصيل الدقيقة لتحقيقاتها أمام وسائل الإعلام، وفق ما نقلته وكالة الأنباء السورية (سانا).
يُذكر أن أحداث الساحل السوري اندلعت في السادس من مارس الماضي في محافظات اللاذقية وطرطوس وشملت العديد من المناطق من بينها مدينة بانياس وجبلة، حيث بدأت في مواجهات مسلحة أوقعت مئات القتلى من المدنيين والعسكريين، وسط اتهامات وجهتها الحكومة السورية إلى مسلحين موالين للرئيس المخلوع بشار الأسد بالمسؤولية عن الهجمات ضد القوات الحكومية، بينما اتُهم بعض عناصر الجيش والأمن العام ومجموعات رديفة بارتكاب انتهاكات ضد المدنيين خلال تلك الأحداث.
وقد تقرر إنشاء اللجنة الوطنية المستقلة للتحقيق في التاسع من مارس الماضي بقرار من الرئاسة السورية، وتم تمديد عملها لاحقاً لمدة 3 أشهر إضافية.