لـ “علويي” سوريا.. بالفم الملآن
زاوية مينا
يجدر تسمية الوقائع بأسمائها، ومن أسمائها تلك المخاوف التي تحيط بالعلويين في سوريا، والتي تُشحَن ببعدين:
ـ في بعدها الأول، وهو الشحن الإيراني، وعبر وقائع تطلق المخاوف والغرائز ومن بينها ماوقع لـ “مزار” منسي في مدينة حلب، ومن بعده تعالت الأصوات العلوية معتبرة أن احراق هذا المزار هو الخطوة الأولى لإحراق الطائفة.
ـ وفي بعدها الثاني إحساس العلويين بأنهم فقدوا السطة التي تعني الوظيفة الحكومية والنفوذ وما تحمله السلطة من مكاسب وفساد.
الذين اججوا التظاهرات وبتزامن واحد في كل من طرطوس، اللاذقية، وصولاً إلى الأرياف القصية، اشتغلوا كما ينبغي لحفنة من المحرّضين بهدف ربما يتجاوز التظاهر إلى الاقتتال الأهلي.
أما إحساس العلويين بأنهم فقدوا مكاسب السلطة، فلابد أن يتحول هذا الإحساس إذا أدرك العلويون أنهم مازالوا الفئة الأكثر فقراً، والأكثر هدراً من دمائهم لحساب سلطة لم تمنحهم من الامتيازات، ما منحته للفاسدين من الفئات والطوائف السورية الأخرى، وبما جعل العلوي مجرد حارس لموائد لم ينله منها سوى حراستها.
فيما نخبهم من مثقفين وعسكريين ومؤثرين في الرأي العام تآكلوا في سجون النظام، ليس في حقبة بشار فحسب، بل في حقبة أبيه، ومن يتذكر حقبة نهاية الستينيات يوم سطى الأب على السلطة كيف نكل برفاقه من البعثيين العلويين فكانت التصفيات بالاغتيالات أو بالسجون.
فهذا صلاح جديد، عرّاب حافظ الأسد ومعلّمه قد زج به في سجن المزة حتى مماته، وذاك محمد عمران وقد اغتيل على رصيف من أرصفة بيروت، ومن بعد تمكّنه من الحكم، جاء الدور على شخصيات علوية أخرى ربما من بينهما د. محمد الفاضل، الشخصية القانونية البارزة، ورجل القانون الذي قدّم من الإسهامات القانونية ما يضعه في مصاف القانوني “السنهوري” أحد آباء القانون الجزائي السوري، وما أن وصل بشار إلى الحكم حتى أجهز على شخصيات من طلائع الفكر والثقافة من العلويين السوريين الذين كانت لهم مكانة سياسية وأخلاقية عابرة للطائفة ومن بينهم عبد العزيز الخيّر وعارف دليلة وسواهما، ليحيط نفسه وقصره بائتلاف من الفاسدين وصنّاع القتل والكبتاغون من علويين وغير علويين وقد شملت عطاياه كل من كان فاسداً أو مطعوناً بشرفه، فيما البيئة العلوية تزداد فقراً، وفاسدوها يزدادون ثراء، وقد حوّلوا أهاليهم إلى خدم منازل، أو محاربين في حرب بلا هدف سوى الاستثمار بدمائهم.
فوبيا الإسلامفوبيا وقد اجتاحت العلويين ومعظم الطوائف من الأقليات السورية، لم تبن حتى اللحظة على وقائع تقول بأن الإسلام السني في سوريا ارتكب آثاماً بمواجهة الأقليات السورية، فيوم كانت السلطة في يد الإسلام المدني وتعبيراته في “الكتلة الوطنية” عم الانتعاش الاقتصادي والثقافي سوريا، كل سوريا بحواضرها وأريافها، ولحظة سقط مشروع الكتلة الوطنية بيد العسكر، تريفت المدينة وتصحّر الريف، وبات الفقر عنوان بلاد كانت قادرة على إطعام العالم الثالث قمحاً، وستر أجساد الأمم من قطنها ونسيجها، وهكذا ومع احتكار السلطة والفساد، امتد مشروع الهلال الشيعي ليجهز على البلاد ويحوّلها إلى سجن وثكنة.
في السجون لذة القتل، أما الثكنة فلم يكن لها مهمة سوى البراميل المتفجرة وقد أحالت سوريا إلى مدن مدمّرة وشعب مشرّد.
واليوم، ما المطلوب؟
المطلوب من طلائع العلويين أولاً أن:
ـ يراجعوا التجربة السورية، ليتيقنوا أنهم إذا ما اختاروا سوريا، فسوريا لابد تفتح ذراعيها.
وإذا ما اختاروا لعبة الطائفة، فالطائفة ستأكل نفسها إن لم تعثر على من ياكلها.