لون إيران ما بعد خامنئي الذي “لا لون له”
مصير إيران، وسؤال إلى أين ستذهب؟ سيكون سؤالاً امريكيًا متواصلاً منذ استيلاء الخميني على السلطة في إيران.
سيتطور السؤال ليأخذ صيغة أخرى:
ـ كيف يمكن أن يكون شكل إيران إذا ما انتهى الحكم الثوري؟
قبل “انتهى” هذا، ثمة تميهد يسبق الاجابة، فالجمهورية الإسلامية الإيرانية التي بلغ عمرها 42 عاما وها هي الآن تواجه اختبارا لوجودها. وسيكون التحول الكبير يوم تعلن وفاة المرشد الأعلى علي خامنئي، الذي يبلغ من العمر 82 عاما، وهو صاحب الكلمة العليا في إيران منذ أكثر من ثلاثة عقود.
وتعتمد أهمية انتخاب رئيس الهيئة القضائية المتشدد، إبراهيم رئيسي، لتولي رئاسة البلاد على جهود خامنئي للحفاظ على مناخ ثوري، وعلى الميزة التي توفرها الرئاسة لرئيسي حال حدوث فراغ مفاجئ بالنسبة لأعلى وأهم منصب في البلاد. وعلى أية حال، كان خامنئي موجودا عندما توفي آية الله روح الله الخميني، وتحرك بسرعة لخلافته.
الدكتور مايكل روبين، وهو باحث مقيم في معهد أمريكان إنتربرايز، يقول في تقرير نشرته مجلة “ناشيونال إنتريست” الأمريكية إن الخلافة هذه المرة قد لا تتم بنفس السهولة، لأن خامنئي يفتقر إلى ما كان يتمتع به الخميني من مؤهلات دينية وقوة شخصية. فقبل وقت قصير من وفاته في عام 1989، أوضح الخميني ضرورة أن يخلفه خامنئي كمرشد أعلى.
وحتى من كانوا يكرهون الخميني سياسيا، كانوا يحترمون وضعه الديني وأهميته الثورية، ولم يهتموا كثيرا بخامنئي، فالجمهورية الإسلامية كانت بالفعل تمزقها الخلافات بين الفصائل، ولكن معظم كبار المسؤولين الإيرانيين كانوا يعتبرون خامنئي ضعيفا ولا لون له، وأنه يعد اختيارا توافقيا جيدا. وكان دور مجلس الخبراء المكلف باختيار القادة قد أصبح بالأساس روتينيا.
ويضيف روبين، الحاصل على الدكتوراه في التاريخ والمحاضر بكلية الدراسات العليا البحرية، أن خامنئي كانت لديه طموحات أكبر. ففي عام 1994، حاول خامنئي التمتع بنفس الوضع الديني الذي كان يتمتع به الخميني، لكنه واجه رفضا وتهكما على نطاق واسع. ولم يستعد مكانته على الإطلاق؛ وبعد ذلك اعتمد في حكمه على القوة أكثر من اعتماده الإقناع الفكري، وهو ما يعني أنه عند وفاة خامنئي، سوف يتبخر نفوذه، فلن يضطر أحد لأن يخاف منه.
وقد يبدو رئيسي الآن خليفة محتملا، ولكن من الممكن ألا تسير كثير من الأمور على نحو جيد. فمن الممكن أن يغير الحرس الثوري الإيراني مسار جهوده، ومن الممكن أن يقوم مرشحون آخرون، مجتبى خامنئي، على سبيل المثال، بعرقلة الأمور. فالحلول التوافقية تتطلب مجلس قيادة وليس فردا يخلق ديناميكية شقاق جديدة في أعلى المناصب. ومن الممكن أن يستغل الإيرانيون على اختلاف انتماءاتهم الفراغ المؤقت الذي ستخلفه وفاة خامنئي للمطالبة بإنهاء الجمهورية الإسلامية. ويقول روبين إنه من الممكن أن يتضح أن رئيسي نفسه هو المحفز وراء إنهاء الجمهورية الإسلامية، فقد وصفه الذين سمعوه وهو يتحدث خلال حفل استقبال بالسفارة الإيرانية في بغداد في شباط/فبراير الماضي، بأنه ثوري متشدد يذكر بشخصية لينين في عشرينيات القرن الماضي. وإذا ما ركز رئيسي على الثورة الثقافية حتى قبل وفاة خامنئي، من الممكن أن يطلق شرارة قد تخرج عن السيطرة. وبغض النظر عن ذلك، سيكون من الحماقة الاعتقاد بأن الجمهورية الإسلامية دائمة.
فماذا قد تصبح إيران إذا ما فشلت الجمهورية الإسلامية؟
بالنسبة لـ “روبين” فإنه رغم الأمنيات الطيبة بين الإيرانيين الذين يعيشون في الخارج، هناك احتمال ضئيل بأن تصبح إيران دولة ديمقراطية مزدهرة موالية للغرب. ويمكن أخذ السيناريوهات المحتملة التالية في الاعتبار:
الدكتاتورية العسكرية: يسيطر الحرس الثوري الإيراني على نحو 40% من اقتصاد البلاد، كما يحتكر الأسلحة، وهو مؤهل لملء أي فراغ. وليس من المحتمل أن تجعل أي ديكتاتورية عسكرية إيران حليفا للولايات المتحدة. وافتراض تخلي الحرس الثوري عن أيديولوجيته أمر لا يمكن توقعه، إذ أنه يعد بعض كبار قادته منذ عمر التاسعة أو العاشرة عند التحاقهم ببرامج بعد المدرسة ترعاها قوات البسيج شبه العسكرية.
الحرب الأهلية: في كل لحظة تقريبا من لحظات ضعف الحكومة المركزية الإيرانية، كان هناك تمرد من جانب الأقليات العرقية والطائفية على طول حدود إيران. وبينما يرى كثير من الباحثين الإيرانيين أن إيران، رغم تنوعها العرقي، “كل متماسك” لأن هويتها ككيان تسبق ظهور الدولة العرقية-القومية، يرى باحثون آخرون، لا سيما الأستاذة والباحثة الأمريكية بريندا شافر، أن الهويات العرقية، أكثر مما يدرك الكثيرون، إضعاف للكل الإيراني. وإذا صدق كلام شافر، حينئذ قد تواجه إيران تحديا خطيرا لوحدتها حال وفاة خامنئي أو أثناء أي انتفاضة متواصلة، وقد يتصدى الحرس الثوري لذلك.
– التحول المدني: عندما قاد الخميني الثورة، وحد الإيرانيين ضد الشاه، ولكنه كان غامضا فيما يتعلق بما سيحدث بعد ذلك: فقد وعد بديمقراطية إسلامية، ولكن لم يحددها مطلقا حتى وقت متأخر للغاية. ويشكو كثير من الإيرانيين أن هذا لم يتحقق. ومع ذلك، فإنه بينما يشير بعض الواقعيين إلى أن الديمقراطية بعيدة المنال في الشرق الأوسط، من الممكن أن تصبح إيران استثناء. فالإيرانيون لا يعتبرون الديمقراطية أمرا مفروضا من الغرب، حيث إنهم لديهم تجربتهم الخاصة في ظل ثورة دستورية في العقد الأول من القرن العشرين.
وفي نفس الوقت، لا يزال نجل الشاه رمزا قويا، حيث إن هناك إيرانيين من داخل البلاد يكنون له كل التبجيل والاحترام. ومع ذلك فإن عودة الملكية أمر غير محتمل رغم أنه يمكن أن يكون للأمير ولي العهد دور مهم كقوة توحد بين صفوف الشعب، ويترأس مؤتمرا دستوريا جديدا.
ويختتم روبين تقريره بأنه رغم جميع السيناريوهات، يتعين ألا يتوقع أي مسؤول غربي أن تكون إيران بعد أفول الثورة دولة موالية للغرب، وأنه يتعين أن يكون أفول نجم الجمهورية الإسلامية هدفا أمريكيا- ومن المؤكد أنه هدف إيراني أيضا. وعلى الرغم من أن الإيرانيين لا يسعون لأي تدخل، يجب أن يكون هدف أي إدارة أمريكية هو عدم عمل أي شيء من شأنه الحفاظ على النظام الثوري. ومع ذلك، من المهم التعامل مع أي تحول في إيران بواقعية. فالإيرانيون سوف يفوزون بديمقراطيتهم في نهاية الأمر، ولكن فترة التحول ستكون طويلة.