أخر الأخبار

ليبيا ـ سوريا، من الفوضى إلى الدولة

صندوق المرصد

سقط معمر القذافي، وكان سقوطه قد انتقل إلى الفضائيات بمشهد دموي قل مثيله، ومنذ سقوطه، تحولت ليبيا من دولة ذات حكم فردي مركزي إلى ساحة صراع إقليمي مفتوح، تتنازعها مشاريع وأجندات متعددة، بما جعل ليبيا اليوم مختبرًا حيًا لتقاطعات المصالح الإقليمية بين دول عربية وغير عربية، تلعب فيها الجغرافيا والنفط والتاريخ والجماعات المسلحة أدوارًا متشابكة، ولكل أولوياته.

فهذه مصر تبحث عن تأمين حدودها الغربية ومنع انتقال الفوضى والميليشيات إلى أراضيها، وقد تذهب إلى تدخل عسكري فيما لو اقتضى الأمر، دون إغفال مخاوفها من تسلل الإسلاميين إلى فضاءاتها.

فيما تشتغل تركيا على دعم حلفائها من الإسلاميين في الحكومة المعترف بها، مع الاشتغال على ترسيم حدودها البحرية مع ليبيا بما يخدم مصالحها في المتوسط كما لو كانت ليبيا نقطة ارتكاز استراتيجية لها في معادلة شرق المتوسط، لتأتي قطر لتلعب دوراً وإن بدا ناعماً، فهو الدور المكمل للدور التركي.

أما عن الجزائر فلابد تفتح حربها على المشروعين التركي والمصري، لتبقى تونس منكفئة مكتفية بما لديها من مشكلات أنتجت ما بعد حريق البوعزيزي، وهكذا تتقاطع المصالح وتتشابك، لتعكس صراعًا على نموذج الحكم، وعلى السيطرة الجيوسياسية.

وبينما تدعم بعض الدول بقاء الانقسام وتحكّمه عبر وكلاء محليين، تسعى أخرى إلى تسوية سياسية تحفظ وحدة التراب الليبي، ولو بمساحات رمادية من التنازلات ليبقى مصير ليبيا رهين توازن هذه المشاريع، ومقدار قدرة الليبيين أنفسهم على إنتاج رؤية وطنية تتجاوز منطق المحاور، فإما أن تبقى ليبيا ساحة، أو تعود لتكون دولة.

في سوريا لم يرى السوريون الأسد وهو يخرج من أنبوب صرف صحي وهو يصرخ من أنتم، من أنتم، بل اشتغل على الفرار من قصره مستبقاً مصير القذافي، غير أن تركته لم تكن أفضل حالاً من تركة القذافي حيث البلاد المدمّرة والخزينة المنهوبة، والاحتقانات الأهلية التي وضعت سوريا بمواجهة احتمالات بالغة القسوة.

وهكذا تقاطعت التجربتان، ومن بين تلك التقاطعات، تتقاطع ليبيا مع مشاريع إقليمية متضادة، تعكس صراعًا على نموذج الحكم، وعلى السيطرة الجيوسياسية، وبينما تدعم بعض الدول بقاء الانقسام وتحكّمه عبر وكلاء محليين، تسعى أخرى إلى تسوية سياسية تحفظ وحدة التراب الليبي، ولو بمساحات رمادية من التنازلات.

أما بالمقارنة مع التجربة السورية، فإن ليبيا وسوريا تمثلان نموذجين متوازيين لتحولات ما بعد الدولة، حيث تسقط الأنظمة دون أن تقوم بدائل وطنية متماسكة، ويتحوّل الشعب إلى رهينة المحاور، والدولة إلى ساحة تنازع.

سوريا اليوم، لابد وتعثر على نوافذ للخلاص، وقد يكون انفتاحها على الفضاء العربي عبر احتواء المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات للحكومة الجديدة في سوريا، خشبة خلاص للسوريين، بل وزورق نجاة باتجاه بناء الدولة، وفي كل الحالات يبقى مصير ليبيا (وسوريا معها) رهين قدرة شعوبها على بلورة مشروع وطني جامع، يتجاوز ثنائية الاستبداد والفوضى

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى