ليبيا والانقلاب الناعم: ليلة سقوط الرجل الأقوى في حكومة الوفاق
مرصد مينا – هيئة التحرير
تتالت المفاجآت في ليبيا وتواترت الأحداث تباعا، فبعد ثورة الليبيين واحتلالهم للشوارع في العاصمة طرابلس وما جاورها، كشف النقاب عن مسرحية مبادرة وقف إطلاق النار التي أطلقتها حكومة الوفاق والتي صفق لها كل العالم. حيث تم خرق هذه المبادرة وأطلق الرصاص على المحتجين العزل وتم اعتقالهم أنفسهم في أماكن مجهولة.
هذه التجاوزات البشعة في حق الليبيين وهذه المواجهة الدامية، جعلت رئيس الداخلية فتحي باشاغا يتوعد بالرد على المليشيات والوقوف في صف المتظاهرين، متهماً أنصار السراج بالوقوف وراء ما يحدث في طرابلس… وتوالت المفاجآت لتختتم بخبر سقوط الرجل الأقوى في حكومة الوفاق، فتحي باشاغا، بقرار من رئيسه ورفيقه فائز السراج، بالإيقاف عن العمل والإحالة إلى التحقيق بشأن بياناته الأخيرة “المنحازة للمتظاهرين”.
رجل الميليشيات
ولعل ما يجب التنويه به، هو أن هذا الانحياز في البيانات لم يكن عن إيمان تام من “باشاغا” بالحقوق المدنية والقانونية للمتظاهرين، فهو رجل المليشيات الذي طالما حمى السراج، حتى ولو على حساب حقوق المواطنين، بل وارتكب قبل ذلك مجزرة دموية بشعة بحق العديد من الأبرياء حفظت في التاريخ الليبي باسم مجزرة “غرغور”. لا بل إن الرجل كان يبحث له عن موطئ قدم في السلطة، وكان يبحث عن ترأس الحكومة بعد الإطاحة بالسراج والانقلاب عليه.
وفي هذا السياق، كشفت مصادر خاصة، أن القوة المشتركة كشفت مخططا انقلابيا على السراج دبره بليل فتحي باشاغا المسنود من مليشيات مصراتة، ورئيس مجلس الدولة الاستشاري خالد المشري، بتنسيق مع جماعة الإخوان المسلمين. وقالت المصادر نفسها، إن السراج يعد قرارات للإطاحة بعناصر جماعة الإخوان المسلمين (المدرجة على قائمة الإرهاب في ليبيا) الموجودين في حكومة الوفاق بعد كشف مخططهم الانقلابي.
اللجوء إلى تركيا
وتفيد المعطيات المتوفرة، أن كل من المشري وباشاغا يزوران تركيا حاليا، إذ عقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اجتماعا أمس مع “المشري”، بمدينة إسطنبول، فيما استقبل وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، باشاغا في أنقرة أمس الجمعة، والتي منها أصدر وزير داخلية “الوفاق” بيانا لاستعطاف المتظاهرين.
وقال مصدر مسؤول بحكومة الوفاق، إن رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج، قرر إلغاء زيارته التي كانت مقررة اول أمس الخميس، إلى إسطنبول للقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في دلالة على افتراق المصالح بين الطرفين ما دعا إلى التفاف أنقرة على ذلك بمحاولة انقلاب ناعمة.
وبدا أن تلك الأوراق كانت مكشوفة مبكرا أمام السراج، إذ عبر عن خشيته من الانقلاب الناعم عليه في حديثه الأخير لأهالي طرابلس، إذ قال: “طالبت بانتخابات في شهر مارس القادم وأخشى من دخول البعض في حوار سياسي وتشكيل رئاسي جديد لتعطيل موضوع الانتخابات”، في إشارة إلى غريمه فتحي باشاغا وزير الداخلية في “حكومة الوفاق” المدعوم من كتائب مصراتة والتي تعد الأقوى في المنطقة الغربية.
وفي مشهد منقسم بدت المليشيات المسلحة التي كانت بالأمس القريب تجتمع تحت راية “السراج” على صد تقدم قوات الجيش الوطني، إذ أطلقت المليشيات المسلحة التابعة للقوة المشتركة الرصاص والألعاب النارية في الهواء من قلب ميدان الشهداء في العاصمة، بينما خيّم الغضب على مثيلاتها في مصراتة، التي شهدت خروج عدد من الموالين لباشاغا في تظاهرات ورددا هتافات: “باشاغا باشاغا.. يا سراج يا جبان الأحرار في الميدان”.
في المقابل أصدرت قوة حماية طرابلس بيانا باركت فيه قرارات المجلس الرئاسي، التي وصفتها بالجريئة، واعتبرتها تؤكد السلطة الشرعية وعدم اعتلاء أي أحد للقانون، على حد زعمها.
سيطرة “باشاغا” على طرابلس
وقد نقلت عن مصادر بحكومة الوفاق تأكيداً أنّ باشاغا وخالد المشري والإخوان، وجميعهم موجودون في تركيا، كانوا يخططون لانقلاب ضد السراج.
وأوضحت المصادر أنّ الانقلاب كان هدفه سيطرة باشاغا على طرابلس وتأمينها وإدارة البنك المركزي ووزارة المالية، مشيرين إلى بروتوكول موقع مع الوزارات لكي يدخل الإخوان لحوار الصخيرات بعد شهر بتنسيق أممي ممثلين للمنطقة الغربية.
وأشارت المصادر إلى أنّ الإخوان أصبحوا خارج اللعبة بموجب مخرجات حوار برلين وإعلان البرلمان الليبي، وحكومة الوفاق وقف إطلاق النار، مضيفة أنّ سقوط باشاغا لا يعنيهم لكنهم سيخترعون لعبة جديدة، لأنّ الحوار السياسي قريب وهم خارج الحسابات الدولية، مؤكدة أنّ الإخوان يريدون كرسي السراج بأي شكل.
وتجلى هذا الخوف بشكل واضح عندما التقى السراج بعدد من الضباط العسكريين والأمنيين الموالين لحكومة الوفاق الوطني، ومنهم رئيس جهاز المخابرات، وضباط المناطق العسكرية، وقائد قوة مكافحة الإرهاب، ونائب رئيس الأمن الداخلي، ورئيس جهاز الأمن العام، وقائد الفرقة الأمنية في القوات المشتركة، ومدير أمن طرابلس.
اشتباكات متوقعة بين أنصار الطرفين
هذا، واحتفلت فصائل مُسلحة في طرابلس بقرار المجلس الرئاسي بإقالة فتحي باشاغا، بينما انتقد البعض وقفه وإحالته للتحقيق. وكان باشاغا قد أعلن أنه على استعداد للمثول للتحقيق علناً بعد قرار توقيفه عن العمل، قائلاً: إنه «مُستعد للمثول للتحقيق، بموجب قرار المجلس الرئاسي، وذلك شريطة أن يجري ذلك في “جلسة علنية منقولة على الهواء مباشرة».
وأضاف باشاغا في بيان رسمي صدر عن مكتبه أمس الجمعة، أنه أثناء وقت التظاهرات في العاصمة طرابلس اعترض “على التدابير الأمنية الصادرة عن جهات مسلحة لا تتبع الوزارة، وما نجم عنها من امتهان لكرامة المواطن الليبي، وانتهاك حقوقه وإهدار دمه قمعاً وترهيباً وتكميماً للأفواه حيث لا قانون”. مؤكداً أنّ موقفه جاء منحازاً “للشعب الليبي في المطالبة بحقوقه العادلة بالطرق السلمية”.
وختم باشاغا بيانه بطلبه أن “تكون جلسة المساءلة والتحقيق علنية ومنقولة إعلامياً على الهواء مباشرة”.
وتوقع مراقبون للمشهد الليبي تطور الأمور بين المليشيات المسلحة الموالية لباشاغا والأخرى الموالية للسراج، ولم تستبعد خروجها عن السيطرة باشتباكات مسلحة بين الطرفين، وقد يكون من ضحاياها مدنيين، خاصة أن مليشيات مصراتة ستحاول الانتقام لفقدان نفوذها في طرابلس بعد رحيل الرجل الأقوى لها.